والجميع في المدونة وقال ابن حبيب إن كان قريبا أكل وإن كان بعيدا فلا اختار غير واحد كاللخمي ما اختاره ابن القاسم إذ لا فرق بين أن يكون الجارح في يده أو معه إذا لم ينبعث إلا بأشلائه.
واختلف إذا انشلي من تلقاء نفسه ثم أغراه على ثلاثة أقوال: فقيل: إنه مباح قاله أصبغ وقيل لا يؤكل وهو المشهور وقال ابن الماجشون إن زادهم أشلاؤه قوة انبعاثه أكل وإلا فلا ولو أرسله ثم ظهر ترك ثم انبعث فإن طال فلا يؤكل ما صاده اتفاقًا وإن كان قريبا فالمنصوص كذلك قال اللخمي: والصواب أن الشيء اليسير لا يقطع عن حكم الأول، وفيه قال مالك، وإذا أرسل على جماعة فأخذ اثنين فإنهما يؤكلان فلم ير اشتغاله بالأول قطعا عن الثاني ورده المازري بأنه في المسألة المخرج منها في عمل واحد ولم يقطعه فإنه يلزمه وإن طال على ظاهر كلامه في المسالة المخرج منها، وقد وافق على التحريم في الطول. قلت: وظاهر كلام ابن الحاجب أن اللخمي خرج الخلاف في الطول والقرب وليس كذلك.
(وكل ما صدته بسهمك أو رمحك فكله):
أما إن كان الصائد مسلمًا فالاتفاق على ذلك، وأما إن كان كتابيا فنص في المدونة على أنه لا يؤكل وروى ابن المواز عن مالك كراهته، وروى ابن حبيب عن ابن وهب إباحته، وقال أشهب واختاره اللخمي والباجي وابن يونس وغيرهم واحتج في المدونة على المنع بقوله تعالى:(يأيها الذين ءامنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم)[المائدة: ٩٤]
فخص المؤمنين دون أهل الكتاب واعترض بأن الآية لم تخرج لبيان جنس الصائدين وإنما جاءت لبيان ابتلاء المحرم بالصيد الممنوع منه في حال إحرامه كما ابتلي اليهود بتحريم الصيد في السبت، واحتج غير واحد للإباحة بقوله تعالى:(وطعام الذين أوتوا الكتب حل لكم وطعامكم حل لهم)[المائدة: ٥]
ومعلوم أن كل أمة تصيد وتأكل وبأن هذا نوع من الذكاة فتصح من الكتاب كالذبح والنحر.
(فإن أدركت ذكائه فذكه، وإن فات بنفسه فكله إذا قتله سهمك ما لم يبت عنك، وقيل عن ذلك فيما بات عنك مما قتلته الجوارح وأما السهم يوجد في مقاتله فلا بأس بأكمله):
ما ذكر من أنه يذكيه يريد وجوبًا إذا قدر على ذلك متفق عليه لأنه إنما جاز أكله بغير ذلك للضرورة، والمراد ما لم تنفذ الجوارح مقاتله فإن أنفذت ففي المدونة حسن أن يفري أوداجه، قال اللخمي: وكذلك الحلقوم إذا أفرى الجارح أوداجه، وعلل بعض الشيوخ مسألة المدونة بكونه أعلى درجات التذكية، قال ابن عبد السلام: وفيه