ظاهر كلامه أنه يلزمه المشي وإن لم تكن له نية وهو قول أشهب خلافًا لما في المدونة، ولو نوي المشي إلى مكة فإنه يلزمه وتقدم ما أفتي به ابن القاسم لابنه عبد الصمد وظاهر نقل ابن عمر سواء كان على وجه اللجاج والغضب أم لا، وألزم أهل المذهب ههنا المشي إلى مكة لأنها قربة كالمشي إلى المساجد والجنائز والعيدين وعورض ذلك بقول مالك أن الركوب في الحج أفضل من المشي وأجابوا بأن التزام المرجوح لا يسقط بوجود ما هو أرجح عليه كما لو نذر الحاج صوم يوم عرفة.
قال ابن عبد السلام: وفي النفس من هذا الفرق شيء ما ذكر الشيخ من أنه يلزمه من حيث حلف فهو كذلك باتفاق إذ نواه وكذلك إن كان غير معلق، واختلف في المعلق على ثلاثة أقوال: فقيل يلزمه من حيث حلف قاله في المدونة وغيرها، وقيل مثله إن كان على حنث وإن كان على بر فمن حيث حنث قاله الشيخ أبو إسحاق التونسي، وقيل: من حيث حنث في البر والحنث ذكره بعض الشيوخ نصًا، وبعضهم تخريجًا، وما ذكر الشيخ أنه مخير في الحج والعمرة معناه إذا لم تكن له نية في أحدهما وهو المشهور.
وقال اللخمي: إن هذا التخيير إنما يحسن في حق من هو ساكن بالمدينة أو ما قرب من مكة وهو الذين جرت عادتهم أن يأتوا مكة لكل واحد من النسكين وأما من بعد من مكة كأهل المغرب فأكثرهم لا يعرف العمرة فضلا عن أن ينويها حين النذر ومن يعرفها منهم لا يقصد إليها بسفر وإنما يسافر بسبب الحج.
(ومن نذر مشيا إلى المدينة أو إلى بيت المقدس أتاهما راكبًا إن نوى الصلاة في مسجديهما وإلا فلا شيء عليه، وأما غير هذه الثلاثة مساجد فلا يأتيها ماشيا ولا راكبًا