للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الحسن عمل قليل في سنة خير من عمل كثيل في بدعة. وقال بعضهم: أبواب الخير كلها مسدودة إلا لمن قصدها من باب محمد صلى الله عليه وسلم.

(وأنه لا يكفر أحد بذنب من أهل القبلة):

قال صاحب الحلل: أهل القبلة عبارة عن أهل الصلاة، وقيل هو اسم لكل مؤمن بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم صلى أو لم يصل، وما ذكر الشيخ هو قول جماعة أهل السنة سلفا وخلفا. وقالت المعتزلة من مات غير تائب فهو مخلد في النار ولا يطلق عليه اسم كافر ولا مؤمن إنما يسمى فاسقا. وقالت المرجئة: لا يدخل النار من كان في قلبه الإيمان وهذا منهم بناء على التحسين والتقبيح العقليين وهو باطل من وجوه منها: أنه لو سلم ذلك فالعقل لا يوجب إحباط خدمة العبد لسيده مائة سنة بزلة واحدة في الشاهد فكذلك في الغائب. ومنها أن الذنب لو كان الإصرار عليه محبطا للطاعة لوجب أن لا تصح معه طاعة كالخروج عن الملة وذلك خلاف الإجماع، لأن شارب الخمر مثلا تصح صلاته وصومه وحجه ويترحم عليه، ومنها أن الإيمان في اللغة التصديق ومحله القلب وفسقه لا يزيل تصديقه، ومنها أنه لو كان الذنب موجبا للكفر لما نصبت على المعاصي الزواجر والحدود بل كان الواجب القتل كالردة ولا قائل بذلك، وهذا الأخير للفاكهاني وما سبق لغيره.

(وأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون):

الشهداء جمع شاهد وشهيد المراد بالشهيد هنا قتيل الكفار. واختلف في أسباب تسميته شهيدا فقيل: إنه مشهود له بالجنة فهو فعيل بمعنى مفعول، وقيل لأن الملائكة تشهده وقيل غير ذلك. ودليل ما ذكر الشيخ قول الله تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) [آل عمران: ١٦٩]

الآية.

واختلف العلماء رضي الله عنهم في معنى الحياة المسندة إليهم بعد الإجماع على تزويج نسائهم وإرثهم وتنفيذ وصاياهم، فقيل هي حياة غير مكيفة ولا معقولة للبشر فيجب الإيمان بها بظاهر الشرع ويكف عن كيفيتها إذ لا طريق للعلم بها إلا من الخبر فيجوز أن يجمع الله تعالى جملة من أجزاء الشهيد فيحييها فتتنعم بالأكل والشرب أو على ما أراد الله تعالى من ذلك.

وقيل حياة مجازية بأن فضلهم الله تعالى بدوام حالهم التي كانوا عليه من الرزق وإجراء الثواب عليهم كالأحياء بخلاف أرواح سائل المؤمنين، فلما أشبهوا الأحياء في

<<  <  ج: ص:  >  >>