قلت: وقال سحنون في العتبية من تصدق بكل ماله ولم يبق ما يكفيه ردت صدقته كذا عزاه اللخمي، وتعقبه بعض شيوخنا بكونه لم يجده في العتبية إلا في سماع ابن القاسم تصدق بكل ماله وتخلى عنه صحيحا فلا بأس به قال: وظاهر قوله ردت صدقته أنه لا يلزمه شيء، ولما ذكر ابن بشير الخلاف في إمضاء فعله بعد الوقوع والنزول ولم يعزه.
قال: وفي الشريعة ما يدل على الوجهين قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة من أبي بكر بجميع ماله ورده على كعب بن مالك وغيره، وقد قال أبو حامد الإسفراييني: إن من يرجع إلى اليقين كما رجع إليه أبو بكر بحيث لا يسخط فتجوز صدقته بجميع ماله ومن يكون على خلاف في ذلك فلا ويرد إليه فيجعل ذلك خلافًا في حال.
(ومن وهب هبة فلم يحزها الموهوب له حتى مرض الواهب أو أفلس فليس له حينئذ قبضها):
يريد بالمرض المخوف عليه، وظاهر كلام الشيخ أن إحاطة الدين بمال الواهب ليست بمانعة من الحيازة بل حتى يفلس، وهو كذلك عند أصبغ.
قال ابن الماجشون، ومطرف: الدين أولى ويشترط في صحة القبض أن يكون الواهب في عقله نص على ذلك ابن القاسم.
قال الباجي: يريد ويكون موقوفا فإن اتصل ذلك بموته بطلت وإلا جاز ذلك.
وقال ابن عبد السلام: إنما يتبين هذا على القول الشاذ أن الهبة لا تلزم بالقول، وأما على القول المشهور أنها تلزم به فمقتضى القياس كان دفعها للموهوب له والفرق بين ذهاب العقل وبين المرض والدين أن الحق في ذهاب العقل للواهب وقد أسقطه بالتزامه، وهو في المرض لغير الواهب، وهو للوارث، وكذلك في الدين لغير الوارث، ولا يلتزم أحدهما شيئًا، وشرط إنفاذ الهبة قد فات فتبطل الهبة.
(ولو مات الموهوب له كان لورثته القيام فيها على الواهب الصحيح):
ما ذكر مثله في أول كتاب الهبة من المدونة قال فيها: وإن وهبت هبة لحر أو عبد فلم يقبضها حتى مات فلورثة الحر، وسيد العبد قبضها، وقال: في كتاب الصدقة في المرسل بهدية يموت المرسل أو يموت المرسل إليه قبل وصولها فإنها ترجع إلى المهدي أو لورثته واستشكلت وأجيب بقوة الحوز إذا مات الواهب وباحتمال أن لا يقبل الموهوب له العطية لو وصلت إليه.
قال ابن عبد السلام مضعفا له: وقد علمت أن هذا الاحتمال قائم إذا أشهد