للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الفاكهاني: هذا لما يقال إنها تحية أهل القبور والله أعلم.

(وإذا سلم واحد من الجماعة أجزأ عنهم وكذلك إن رد واحد منهم):

ما ذكر هو المذهب خلافا لأبي يوسف في قوله: لابد من رد جميعهم وأجيب بما في أبي داود عنه صلى الله عليه وسلم "يجزئ عن الجماعة" إذا مروا أن يسلم أحدهم، ويجزئ عن الجلوس إذا رد أحدهم إلا أن في إسناده كلاما للعلماء، وظاهر كلام الشيخ إن رد واحد من غير الجماعة المسلم عليهم لم يسقط فرض الرد عنهم وهو كذلك.

(وليسلم الراكب على الماشي والماشي على الجالس):

يريد والصغير على الكبير والعبد على الحر والمرأة المتجالة على الرجل واللاحق على الملحوق والداخل على المدخول عليه والأصل في ذلك ما في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ليس الصغير على الكبير والمار على الجالس والقليل على الكثير" وفي طريق آخر يسلم الراكب على الماشي.

قال الإمام أبو عبد الله المازري: وإنما شرع سلام الراكب على الماشي لفضل الراكب عليه من باب الدنيا فعدل الشرع أن يجعل للماشي فضيلة أن يبتدئ واحتياطا على الراكب من الكبر والزهو إذا حاز الفضيلتين وإلى هذا المعنى أشار بعض أصحابنا إذا تلاقى رجلان كلاهما مار في الطريق بدأ الأدنى منهما على الأفضل إجلال وتعظيما للأكبر لأن فضيلة الدين مرغبة في الشرع، وأما بداءة المار على القاعد فلم أر في تعليله نصا ويحمتل أن يجري في تعليله على هذا الأسلوب فيقال: إن القاعد قد يتوقع شرا من الوارد عليه أو يوجس في نفسه خيفة فإذا ابتدأ بالسلام أن إليه أو لأن التصرف والتردد في الحاجة الدنيوية وامتهان النفس فيها مما ينقص مرتبة المتصادقين والآخذين بالعزلة تورعا فصار القاعدين مزية من باب الدين فلهذا أمر ببداءتهم ولأن القاعد يشق عليه مراعاة المارين مع كثرتهم والتشوف إليهم فتسقط البداءة عنه وأمر بها المار لعدم المشقة عليه.

وأما بداءة القليل للجماعة فيحتمل أيضا أن تكون الفضيلة للجماعة ولهذا قال الشارع: عليكم بالسواد الأعظم، ويد الله مع الجماعة فأمر ببداءتهم لفضلهم أو لأن الجماعة إذا بدءوا الواحد خيف عليه الكبر والزهو فاحتيط له بأن يبدأ وقد يحتمل غير ذلك لكن الذي ذكرناه هو الذي يليق بما قلناه عنهم من التعليل ولا تحسن معارصة هذه التعاليل بآحاد مسائل شذت عنها لأن التعليل الكلي لوضع الشرع لا يشترط أن لا يشذ عنه بعض الجزئيات.

<<  <  ج: ص:  >  >>