وأمَّا "سورة المائدة": فإنَّها سورة العقود، فإنَّ العهود والمواثيق التي يعقدها بنو آدم بينهم وبين ربِّهم، ويعقدها بعضهم لبعض -مثل: عقد الإيمان، وعقد الأيمان-، فأمر الله بالوفاء بالعهود، والوفاء بالعهود من صفات الصادقين دون الكاذبين؛ وختم السورة بما يناسب ما تحتها، فقال:{هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}[المائدة: ١١٩]، فالموفون بالعقود صادقون، فنفعهم الصدق بالوفاء يوم القيامة بما وعدهم من الكرامة).
[ثم تكلَّم شيخنا](١) على الوفاء بالعهد، وقال: (وهذه "سورة المائدة" للمؤمنين، أمرهم فيها بالوفاء بالعقود، وذكَّرهم فيها بنعمته، كما قال تعالى لبني إسرائيل:{اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ}[البقرة: ٤٠]، فذكر النعم يوجب الشكر، والوفاء بالعقود يحتاج إلى الصبر، فلابدَّ أن يكون صبَّارًا شكورًا، كما قال في أثناء السورة بعد آية الطهارة:{وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}[المائدة: ٧].
قال: (فلمَّا كان هذا فاتحة السورة كان من مضمونها الشريعة والمنهاج التي جعلها لأهل القرآن، فبيَّن لهم من تفصيل أمره ونهيه -الذي جعله الله لهم شرعةً ومنهاجًا- في هذه السورة ما وجب عليهم الوفاء به، لأجل إيمانهم الذي هو عقد يوجب عليهم: طاعة الله ورسوله واتباع كتابه، ولهذا روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ سورة المائدة آخر القرآن نزولًا فأحلُّوا حلالها وحرِّموا حرامها". وعن أبي ميسرة:
(١) في الأصل: (ثم تكلم سبحانه وتعالى عن العهود)! وهو خطأ صرف، فإما أن يكون في الكلام سقط، وإما يكون الصواب ما أثبته أو نحوه، والله أعلم.