للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أخلد، فَكَيْفَ اسْتَدْرَكَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ﴾ بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا﴾؟

* قِيلَ: هَذَا مِنْ الْكَلَامِ المَلْحُوظِ فِيهِ المَعْنَى المَعْدُولِ فِيهِ عَنْ مُرَاعَاةِ الْأَلْفَاظِ إلَى المَعَانِي، وَذَلِكَ أَنَّ مَضْمُونَ قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا﴾ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَاطَ الْأَسْبَابَ الَّتِي تَقْتَضِي رَفْعَهُ بِالْآيَاتِ مِنْ إيثَارِ اللهِ وَمَرْضَاتِهِ عَلَى هَوَاهُ، وَلَكِنَّهُ آثَرَ الدُّنْيَا وَأَخْلَدَ إلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ (١): المَعْنَى: وَلَوْ لَزِمَ آيَاتِنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا، فَذَكَرَ المَشِيئَةَ وَالمُرَادُ مَا هِيَ تَابِعَةٌ لَهُ وَمُسَبَّبَةٌ عَنْهُ.

قَالَ: أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ﴾ فَاسْتَدْرَكَ الْمَشِيئَةَ بِإِخْلَادِهِ الَّذِي هُوَ فِعْلُهُ، فَوَجَبَ أَنْ تكُونَ ﴿وَلَوْ شِئْنَا﴾ فِي مَعْنَى مَا هُوَ فِعْلُهُ، وَلَوْ كَانَ الْكَلَامُ عَلَى ظَاهِرِهِ لَوَجَبَ أَنْ يُقَالَ: ولَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ، وَلَكِنَّا لَمْ نَشَأْ.

فَهَذَا مِنْهُ شِنْشِنَةٌ تعْرِفُهَا مِنْ قَدَرِيٍّ نَافٍ للْمَشِيئَةِ الْعَامَّةِ مُبْعِدٍ لِلنُّجْعَةِ فِي جَعْلِ كَلَامِ اللهِ مُعْتَزِلِيًّا قَدَرِيًّا، فَأَيْنَ قَوْلُهُ: ﴿وَلَوْ شِئْنَا﴾ مِنْ قَوْلِهِ: «وَلَوْ لَزِمَهَا» ثُمَّ إذَا كَانَ الملزُومُ لَهَا مَوْقُوفًا عَلَى مَشِيئَةِ اللهِ وَهُوَ الْحَقُّ بَطَلَ أَصْلُهُ.

وَقَوْلُهُ: «إنَّ مَشِيئَةَ الله تَابِعَةٌ لِلُزُومِهِ الْآيَاتِ» مِنْ أَفْسَدِ الْكَلَامِ وَأَبْطَلِهُ، بَلْ لُزُومُهُ لِآيَاتِهِ تَابِعة لِمَشِيئَةِ الله ﷿، فَمَشِيئَةُ اللهِ سُبْحَانَهُ مَتْبُوعَةٌ، لَا تَابِعَةٌ،


(١) «تفسيره» (٢/ ١٧٢) والزمخشري هو: أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد، كبير المعتزلة، وقد نظم أبياتًا يمدح فيها كشافه، وانظر: ردًّا مفحمًا على «الكشاف» لابن أبي جمرة في «لسان الميزان» (٧/ ٦٣).

<<  <   >  >>