للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

منهج ابن القيم في شرح الأَمْثَالِ

أفصح العلامة ابن القيم عن منهج البلاغيين في شرح الأمثال؛ حيث جاء ذلك واضحًا في تفسيره لقوله : ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣٥)[النور: ٣٥].

قال : وفي هذا التشبيه لأهل المعاني طريقتان:

أحدهما: طريقة التشبيه المركب، وهي أقرب مأخذًا، وأسلم من التكلف، وهي: أن تشبه الجملة برمتها بنور المؤمن من غير تعرض لتفصيل كل جزء من أجزاء المشبه ومقابلته بجزء من المشبه به، وعلى هذا عامة أمثال القرآن الكريم.

فتأمل صفة المشكاة، وهي كوة لا تنفذ لتكون أجمع للضوء، قد وضع فيها مصباح، وذلك المصباح داخل زجاجة تشبه الكوكب الدري في صفائها وحسنها، ومادته من أصفى الأذهان وأتمها وقودًا، من زيت شجرة في وسط القراح (١) لا شرقية ولا غربية بحيث تصيبها الشمس في إحدى طرفي النهار، بل هي في وسط القراح محمية بأطرافه تصيبها الشمس أعدل إصابة والآفات إلى الأطراف دونها، فمن شدة إضاءة زيتها وصفائها وحسنها، يكاد يضيء من غير أن تمسه نار، فهذا


(١) القَرَاحُ: المزرعة التي ليس فيها بناء ولا شجر وجمعه «أَقْرِحَةٌ». «المصباح المنير»
(م/ ق رح).

<<  <   >  >>