ثم أخبر سبحانه عن مصير الدنيا وحقيقتها وأنها بمنزلة غيث أعجب الكفار نباته.
والصحيح - إن شاء الله- أن الكفار هم الكفار بالله، وذلك عرف القرآن حيث ذكروا بهذا النعت في كل موضع، ولو أراد الزراع لذكرهم باسمهم الذي يعرفون به، كما ذكرهم به في قوله تعالى: ﴿يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ﴾ وإنما خص الكفار به لأنهم أشد إعجابًا بالدنيا، فإنها دارهم التي لها يعملون ويكدحون، فهم أشد إعجابا بزينتها وما فيها من المؤمنين.
ثم ذكر سبحانه عاقبة هذا النبات وهو اصفراره ويبسه، وهذا آخر الدنيا ومصيرها، ولو ملكها العبد من أولها إلى آخرها فنهايتها ذلك.
فإذا كانت الآخرة انقلبت الدنيا واستحالت إلى عذاب شديد، أو مغفرة من الله وحسن ثوابه وجزائه، كما قال على بن أبي طالب ﵁:«الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها، ومطلب نجح لمن سالم. فيها مساجد أنبياء الله، ومهبط وحيه، ومصلى ملائكته، ومتجر أوليائه، فيها اكتسبوا الرحمة، وربحوا فيها العافية، فمن ذا يذمها وقد آذنت بنيها، ونعت نفسها وأهلها، فتمثلت ببلائها، وشوقت بسرورها إلى السرور تخويفا وتحذيرا وترغيبا، فذمها قوم غداة الندامة، وحمدها آخرون؛ ذكرتهم فذكروا، ووعظتهم فاتعظوا. فيا أيها الذّامّ للدنيا المغتر بتغريرها متى استذمّت إليك؟ بل متى غرتك؟ أبمنازل آبائك في الثرى، أم بمضاجع أمهاتك في البلى؟! كم رأيت موروثا، كم عللت بكفيك عليلا، كم مرضت مريضا بيديك تبتغى له الشفاء، وتستوصف له الأطباء؟ ثم لم تنفعه شفاعتك، ولم تسعفه طلبتك، مثلت لك الدنيا غداة مصرعه مصرعك».