قال ابن كثير ﵀: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾ أي: صفتها ونعتها، ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ أي: سارحة في أرجائها وجوانبها، وحيث شاء أهلها، يفجرونها تفجيرًا، أي: يصرفونها كيف شاءوا وأين شاءوا، كما قال تعالى: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (١٥)﴾ [محمد: ١٥]. وقوله: ﴿أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا﴾ أي: فيها المطاعم والفواكه والمشارب، لا انقطاع [لها] ولا فناء. وفي الصحيحين، من حديث ابن عباس في صلاة الكسوف، وفيه قالوا: يا رسول الله، رأيناك تناولت شيئًا في مقامك هذا، ثم رأيناك تَكعْكعت فقال: «إني رأيت الجنة -أو: أريت الجنة -فتناولت منها عنقودًا، ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا». وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: «يأكل أهل الجنة ويشربون، ولا يمتخطون ولا يتغوّطون ولا يبولون، طعامهم جُشَاء كريح المسك، ويلهمون التسبيح والتقديس كما يلهمون النفس». رواه مسلم. وقد قال تعالى: ﴿وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (٣٣)﴾ [الواقعة: ٣٢، ٣٣]. وقال: ﴿وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا﴾ [الإنسان: ١٤]. وكذلك ظلها لا يزول ولا يقلص، كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (٥٧)﴾ [النساء: ٥٧]. وفي الصحيحين من غير وجه أن رسول الله ﷺ قال: «إن في الجنة شجرة، يسير الراكب المجد الجواد المضمر السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها»، ثم قرأ: ﴿وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠)﴾ [الواقعة: ٣٠]. =