وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: هِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (١٤)﴾ [الفجر: ١٤] وَهَذَا اخْتِلَافُ عِبَارَةٍ، فَإِنَّ كَوْنَهُ بِالْمِرْصَادِ هُوَ مُجَازَاةُ المُحْسِنِ بِإِحْسَانِهِ وَالمُسِيءِ بِإِسَاءَتِهِ.
وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، تَقْدِيرُهُ: إنَّ رَبِّي يَحُثُّكُمْ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَيَحُضُّكُمْ عَلَيْهِ؛ وَهَؤُلَاءِ إنْ أَرَادُوا أَنَّ هَذَا مَعْنَى الْآيَةِ الَّتِي أُرِيدَ بِهَا فَلَيْسَ كَمَا زَعَمُوا، وَلَا دَلِيلَ عَلَى هَذَا المُقَدَّرِ، وَقَدْ فَرَّقَ سُبْحَانَهُ بَيْنَ كَوْنِهِ آمِرًا بِالْعَدْلِ وَبَيْنَ كَوْنِهِ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ حَثَّهُ عَلَى الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ مِنْ جُمْلَةِ كَوْنِهِ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ فَقَدْ أَصَابُوا.
وَقَالَتْ فِرْقَةٌ أُخْرَى: مَعْنَى كَوْنِهِ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ أَنَّ مَرَدَّ الْعِبَادِ وَالْأُمُورِ كُلِّهَا إلَى الله لَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ مِنْهَا، وَهَؤُلَاءِ إنْ أَرَادُوا أَنَّ هَذَا مَعْنَى الْآيَةِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّ هَذَا مِنْ لَوَازِمِ كَوْنِهِ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَمِنْ مُقْتَضَاهُ وَمُوجِبِهِ فَهُوَ حَقٌّ.
وَقَالَتْ فِرْقَةٌ أُخْرَى: مَعْنَاهُ كُلُّ شَيْءٍ تَحْتَ قُدْرَتِهِ وَقَهْرِهِ وَفِي مِلْكِهِ وَقَبْضَتِهِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ حَقًّا فَلَيْسَ هُوَ مَعْنَى الْآيَةِ، وَقَدْ فَرَّقَ هود بَيْنَ قَوْلِهِ: ﴿مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا﴾ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ فَهُمَا مَعْنَيَانِ مُسْتَقِلَّانِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ، وَلَا تَحْتَمِلُ الْعَرَبِيَّةُ غَيْرَهُ إلَّا عَلَى اسْتِكْرَاهٍ.
وَقَالَ جَرِيرٌ يَمْدَحُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ:
أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلَى صِرَاطٍ … إذَا اعْوَجَّ المَوَارِدُ مُسْتَقِيم (١)
(١) في ديوان جرير (١/ ٢١٨) يمدح هشام بن عبد الملك وليس عمر بن عبد العزيز.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute