للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٣٧ - قال : ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (٧٣)[الحج: ٧٣] (١).

حَقِيقٌ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَنْ يَسْتَمِعَ لِهَذَا المَثَلِ، وَيَتَدَبَّرَهُ حَقَّ تَدَبُّرِهِ، فَإِنَّهُ يَقْطَعُ مَوَارد الشِّرْكِ مِنْ قَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ المَعْبُودَ أَقَلُّ دَرَجَاتِهِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى إيجَادِ مَا يَنْفَعُ عَابِده وَإِعْدَامِ مَا يَضُرُّهُ، وَالْآلِهَةُ الَّتِي يَعْبُدُهَا المُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ تَقْدِرَ عَلَى خَلْقِ ذُّبَاب وَلَو اجْتَمَعُوا كُلُّهُمْ لِخَلْقِهِ، فَكَيْفَ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ؟ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى الِانْتِصَارِ مِنْ الذُّبَابِ إذَا سَلَبَهُمْ شَيْئًا مِمَّا عَلَيْهِمْ مِنْ طِيبٍ وَنَحْوِهِ فَيَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ، فَلَا هُمْ قَادِرُونَ عَلَى خَلْقِ الذُّبَابِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَضْعَفِ الْحَيَوَانَاتِ، وَلَا عَلَى الِانْتِصَارِ مِنْهُ وَاسْتِرْجَاعِ مَا يسلبهُمْ إيَّاهُ، فَلَا أَعْجزَ مِنْ هَذِهِ الْآلِهَةِ، وَلَا أَضْعَفَ مِنْهَا، كَيْفَ يَسْتَحْسِنُ عَاقِلٌ عِبَادَتَهَا مِنْ دُونِ الله ؟!

وَهَذَا المَثَلُ مِنْ أَبْلَغِ مَا أَنْزَلَهُ اللهُ سُبْحَانَهُ فِي بُطْلَانِ الشِّرْكِ، وَتَجْهِيلِ أَهْلِهِ، وَتَقْبِيحِ عُقُولِهِمْ، وَالشَّهَادَةِ عَلَى أَنَّ الشَّياطينَ قَدْ تَلَاعَب بِهِمْ أَعْظَمَ مِنْ تَلَاعُبِ الصِّبْيَانِ بِالْكُرَةِ، حَيْثُ أَعطوا الْإِلَهِيَّةَ الَّتِي مِنْ بَعْضِ لَوَازِمِهَا الْقُدْرَةُ عَلَى جَمِيعِ المَقْدُورَاتِ، وَالْإِحَاطَةُ بِجَمِيعِ المَعْلُومَاتِ، وَالْغِنَى عَنْ جَمِيعِ المَخْلُوقَاتِ، وَأَنْ يصمدَ إلَى الرَّبِّ فِي جَمِيعِ الْحَاجَاتِ، وَتَفْرِيجِ الْكُرُبَاتِ، وَإِغَاثَةِ اللَّهَفَاتِ، وَإِجَابَةِ الدَّعَوَاتِ، فَأَعْطَوْهَا صُوَرًا وَتَمَاثِيلَ تمتَنِعُ عَلَيْهَا الْقُدْرَةُ عَلَى مَخْلُوقَاتِ الآلِهَةِ الْحَقِّ وَأَذَلِّهَا وَأَصْغَرِهَا وَأَحْقَرِهَا، وَلَو اجْتَمَعُوا لِذَلِكَ وَتَعَاوَنُوا عَلَيْهِ.


(١) أخرجه الطبري بإسناد صحيح إلى ابن زيد في قوله: ﴿وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا﴾ … إلى آخر الآية، قال: هذا مثل ضربه الله لآلهتهم، وقرأ: ﴿ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (٧٣) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٧٤)﴾ حين يعبدون مع الله ما لا ينتصف من الذباب ولا يمتنع منه.

<<  <   >  >>