للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وهذا التشبيه العجيب الذي تضمنته الآية فيه من الأسرار والمعاني وإظهار تمام نعمته على عبده المؤمن بما أناله من نوره ما تقر به عيون أهله وتبتهج به قلوبهم.

* وفي هذا التشبيه لأهل المعاني طريقتان:

إحداهما: طريقة التشبيه المركب وهي أقرب مأخذًا، وأسلم من التكلف، وهي: أن تشبه الجملة برمتها بنور المؤمن من غير تعرض لتفصيل كل جزء من أجزاء المشبه ومقابلته بجزء من المشبه به، وعلى هذا عامة أمثال القرآن الكريم.

فتأمل صفة المشكاة، وهي كوة لا تنفذ لتكون أجمع للضوء، قد وضع فيها مصباح، وذلك المصباح داخل زجاجة تشبه الكوكب الدري في صفائها وحسنها، ومادته من أصفى الأدهان وأتمها وقودًا، من زيت شجرة في وسط القراح (١) لا شرقية ولا غربية بحيث تصيبها الشمس في أحد طرفي النهار، بل هي في وسط القراح محمية بأطرافه تصيبها الشمس أعدل إصابة، والآفات إلى الأطراف دونها، فمن شدة إضاءة زيتها وصفائها وحسنها يكاد يضيء من غير أن تمسه نار، فهذا المجموع المركب هو مثل نور الله الذي وضعه في قلب عبده المؤمن وخصه به.

والطريقة الثانية: طريقة التشبيه المفصل، فقيل المشكاة صدر المؤمن، والزجاجة قلبه، وشبه قلبه بالزجاجة لرقتها وصفائها وصلابتها، وكذلك قلب المؤمن فإنه قد جمع الأوصاف الثلاثة، فهو يرحم ويحسن ويتحنن، ويشفق على الخلق برقته.


(١) القَرَاحُ: المزرعة التي ليس فيها بناء ولا شجر وجمعها: «أَقْرِحَةٌ». «المصباح المنير» (م: قرح).

<<  <   >  >>