للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٤١ - قال : ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (٤٤)[الفرقان: ٤٤].

فَشَبَّهَ أَكْثَرَ النَّاسِ بِالْأَنْعَامِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ التَّسَاوِي فِي عَدَمِ قَبُولِ الْهُدَى وَالِانْقِيَادِ لَهُ، وَجَعَلَ الْأَكْثَرِينَ أَضَلَّ سَبِيلًا مِنْ الْأَنْعَامِ؛ لِأَنَّ الْبَهِيمَةَ يَهْدِيهَا سَائِقُهَا فَتَهْتَدِي وَتَتْبَعُ الطَّرِيقَ، فَلَا تَحِيدُ عَنْهَا يَمِينًا وَلَا شِمَالًا، وَالْأَكْثَرُونَ يَدْعُونهُم الرُّسُلُ وَيهْدُونَهُم السَّبِيلَ فَلَا يَسْتَجِيبُونَ وَلَا يَهْتَدُونَ وَلَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مَا يَضُرُّهُمْ وَبَيْنَ مَا يَنْفَعُهُمْ، وَالْأَنْعَامُ تُفَرِّقُ بَيْنَ مَا يَضُرُّهَا مِنْ النَّبَاتِ وَالطَّرِيقِ فَتَجْتَنِبهُ وَمَا يَنْفَعُهَا فَتُؤْثِرُهُ، وَاللهُ لَمْ يَخْلُق لِلْأَنْعَامِ قُلُوبًا تَعْقِلُ بِهَا، وَلَا أَلْسِنَةً تَنْطِقُ بِهَا، وَأَعْطَى ذَلِكَ لِهَؤُلَاءِ ثُمَّ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِمَا جَعَلَ لَهُمْ مِنْ الْعُقُولِ وَالْقُلُوبِ وَالْأَلْسِنَةِ وَالْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ، فَهُمْ أَضَلُّ مِنْ الْبَهَائِمِ، فَإِنَّ مَنْ لَا يَهْتَدِي إلَى الرُّشْدِ وَإِلَى الطَّرِيقِ مَعَ الدَّلِيلِ له أَضَلُّ وَأَسْوَأُ حَالًا مِمَّنْ لَا يَهْتَدِي حَيْثُ لَا دَلِيلَ مَعَهُ (١).


(١) «إعلام الموقعين» (٢/ ٢٨١)، و «الصواعق» (١/ ٢١٥).
قال الشنقيطي : «وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ قال الزمخشري: فإن قلت: كيف جعلوا أضل من الأنعام؟
قلت: لأن الأنعام تنقاد لأربابها التي تعلفها وتتعهدها، وتعرف من يحسن إليها ممن يسيء إليها، وتطلب ما ينفعها، وتجتنب ما يضرها، وتهتدي لمراعيها ومشاربها، وهؤلاء لا ينقادون لربهم ولا يعرفون إحسانه إليهم من إساءة الشيطان الذي هو عدوهم، ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع ولا يتقون العقاب الذي هو أشد المضار والمهالك، ولا يهتدون للحق الذي هو المشرع الهني والعذب الروي». انتهى منه.
وإذا علمت ما دلت عليه هذه الآية الكريمة، فاعلم أن الله بينه في غير هذا الموضع، كقوله تعالى في سورة الأعراف: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (١٧٩)﴾ [الأعراف: ١٧٩]، وقوله تعالى في البقرة: =

<<  <   >  >>