للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= جرى منهم من التكذيب لرسل الله، وما جرى عليهم من عقوبته ونكاله، وتعيين تلك القرية، لو كان فيه فائدة، لعينها الله، فالتعرض لذلك وما أشبهه من باب التكلف والتكلم بلا علم، ولهذا إذا تكلم أحد في مثل هذا تجد عنده من الخبط والخلط والاختلاف الذي لا يستقر له قرار، ما تعرف به أن طريقَ العلم الصحيح، الوقوفُ مع الحقائق، وترك التعرض لما لا فائدة فيه، وبذلك تزكو النفس، ويزيد العلم، من حيث يظن الجاهل أن زيادته بذكر الأقوال التي لا دليل عليها، ولا حجة عليها ولا يحصل منها من الفائدة إلا تشويش الذهن واعتياد الأمور المشكوك فيها.
والشاهد: أن هذه القرية جعلها الله مثلًا للمخاطبين. ﴿إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ﴾ من الله تعالى يأمرونهم بعبادة الله وحده، وإخلاص الدين له، وينهونهم عن الشرك والمعاصي.
﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾ أي: قويناهما بثالث، فصاروا ثلاثة رسل، اعتناء من الله بهم، وإقامة للحجة بتوالي الرسل إليهم، ﴿فَقَالُوا﴾ لهم: ﴿إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾ فأجابوهم بالجواب الذي ما زال مشهورًا عند من رد دعوة الرسل: ف ﴿قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا﴾ أي: فما الذي فضلكم علينا وخصكم من دوننا؟ قالت الرسل لأممهم: ﴿إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾.
﴿وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ﴾ أي: أنكروا عموم الرسالة، ثم أنكروا أيضًا المخاطبين لهم، فقالوا: ﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ﴾
فقالت هؤلاء الرسل الثلاثة: ﴿رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ﴾ فلو كنا كاذبين، لأظهر الله خزينا، ولبادَرَنَا بالعقوبة.
﴿وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ أي: البلاغ المبين الذي يحصل به توضيح الأمور المطلوب بيانها، وما عدا هذا من آيات الاقتراح، ومن سرعة العذاب، فليس إلينا، وإنما وظيفتنا -التي هي البلاغ المبين- قمنا بها، وبيناها لكم، فإن اهتديتم، فهو حظكم وتوفيقكم، وإن ضللتم، فليس لنا من الأمر شيء.
فقال أصحاب القرية لرسلهم: ﴿إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ﴾ أي: لم نر على قدومكم علينا واتصالكم بنا إلا الشر، وهذا من أعجب العجائب، أن يجعل من قدم عليهم بأجل نعمة ينعم الله بها على العباد، وأجل كرامة يكرمهم بها، وضرورتهم إليها فوق كل =

<<  <   >  >>