للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

* قلت: وفي الحديث «إنه لحق كما أنك ههنا» (١).

فشبه - سبحانه - تحقيق ما أخبر به بتحقيق نطق الآدمي ووجوده.

والواحد منا يعرف أنه ناطق ضرورة، ولا يحتاج نطقه إلى الاستدلال على وجوده، ولا يخالجه شك في أنه ناطق. فكذلك ما أخبر الله - سبحانه- عنه من أمر التوحيد، والنبوة، والمعاد، وأسمائه، وصفاته، حق ثابت في نفس الأمر، يشبه بثبوت نطقكم ووجوده.

وهذا باب يعرفه الناس في كلامهم، يقول أحدهم: هذا حق مثل الشمس. وأفصح الشاعر عن هذا بقوله:

وليس يصح في الأفهام شيء … إذا احتاج النهار إلى دليل (٢)

وههنا أمر ينبغي التفطن له، وهو أن الرب - تعالى - شهد بصحة ما أخبر به، وهو أصدق الصادقين، وأقسم عليه، وهو أبر المقسمين، وأكده بتشبيهه بالواقع الذي لا يقبل الشك بوجه، وأقام عليه من الأدلة العيانية والبرهانية ما جعله معاينًا مشاهدًا بالبصائر، وإن لم يعاين بالأبصار، ومع ذلك فأكثر النفوس في غفلة عنه لا تستعد له، ولا تأخذ له أهبة.


(١) إسناده ضعيف: أخرجه أحمد (٥/ ٢٤٥)، وأبو داود (٤٢٩٤) من حديث معاذ . وعلة إسناده ابن ثوبان فقد ذكره الذهبي في مناكيره، وأعل أيضا: بالوقف.
(٢) البيت للمتنبي في «ديوانه» (٣٤٣).
والمعنى: إنما يقام الدليل على الشيء الخفي، فأما الظاهر الجلي، فهو بمنزلة النهار الذي لا يحتاج إلى الدليل؛ لأن كل من رآه عرفه، ومن خفي عليه ضوء النهار، فلا فائدة لإقامة الدلالة في حقه، إذ المعاينة أقوى، والمشاهدة أولى.

<<  <   >  >>