* ومنهم: من يعطى نوراً على إبهام قدمه يضيء مرة ويطفئ أخرى بحسب ما كان معه من نور الإيمان في دار الدنيا فهو هذا النور بعينه أبرزه الله لعبده في الآخرة ظاهرًا يرى عيانًا بالأبصار ولا يستضيء به غيره ولا يمشي أحد إلا في نور نفسه إن كان له نور مشى في نوره، وإن لم يكن له نور أصلًا لم ينفعه نور غيره، ولما كان المنافق في الدنيا قد حصل له نور ظاهر غير مستمر ولا متصل بباطنه ولا له مادة من الإيمان أعطي في الآخرة نورًا ظاهرًا لا مادة له ثم يطفأ عنه أحوج ما كان إليه.
* ومنها: أن مشيهم على الصراط في السرعة والبطء بحسب سرعة سيرهم وبطئه على صراط الله المستقيم في الدنيا، فأسرعهم سيرًا هنا أسرعهم هناك وأبطأهم هنا أبطأهم هناك، وأشدهم ثباتًا على الصراط المستقيم هنا أثبتهم هناك، ومن خطفته كلاليب الشهوات والشبهات والبدع المضلة هنا خطفته الكلاليب التي كأنها شوك السعدان هناك، ويكون تأثير الكلاليب فيه هناك على حسب تأثير كلاليب الشهوات والشبهات والبدع فيه هاهنا، فناج مسلم، ومخدوش مسلَّم، ومخردل أي مقطع بالكلاليب مكردس في النار (١)، كما أثرت فيهم تلك الكلاليب في الدنيا جزًاء وفاقًا وما ربك بظلام للعبيد.
* والمقصود: أن الله ﵎ ضرب لعباده المثلين المائي والناري في سورة البقرة وفي سورة الرعد وفي سورة النور لما تضمن المثلان من الحياة والإضاءة، فالمؤمن حي القلب مستنيره، والكافر والمنافق ميت القلب مظلمه، وقال الله ﷾ ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ الآية.
(١) انظر البخاري (٧٤٣٩)، ومسلم (٣٠٢)، والطبري (٢٣٦٧٦) من حديث أبي سعيد الخدري ﵁ مرفوعًا.