وكمال الروح بهاتين الصفتين، بالحياة والنور، ولا سبيل إليهما إلا على أيدي الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، والاهتداء بما بعثوا به وتلقي العلم النافع والعمل الصالح من مشكاتهم، وإلا فالروح ميتة مظلمة، وإن كان العبد مشارًا إليه بالزهد والفقه والفضيلة والكلام والبحوث، فإن الحياة والاستنارة بالروح الذي أوحاه الله ﷾ إلى رسوله ﷺ وجعله نورا يهدي به من يشاء من عباده وراء ذلك كله، فليس العلم كثرة النقل والبحث والكلام، ولكن نور يميز به صحيح الأقوال من سقيمها وحقها من باطلها، وما هو من مشكاة النبوة مما هو من آراء الرجال.
ويميز النقد الذي عليه سكة أهل المدينة النبوية الذي لا يقبل الله ﷿ ثمنًا لجنته سواه.
من النقد الذي عليه سكة جنكسخان ونوابه من الفلاسفة والجهمية والمعتزلة وكل من اتخذ لنفسه سكة وضربًا ونقدًا يروجه بين العالم؛ فهذه الأثمان كلها زيوف لا يقبل الله ﷾ في ثمن جنته شيئًا منها، بل ترد على عاملها أحوج ما يكون إليها وتكون من الأعمال التي قدم الله ﷾ عليها فجعلها هباء منثورًا، ولصاحبها نصيب وافر من قوله ﷾: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (١٠٤)﴾ [الكهف: ١٠٣ - ١٠٤].
وهذا حال أرباب الأعمال التي كانت لغير الله ﷿ أو على غير سنة رسول الله ﷺ. وحال أرباب العلوم والأنظار التي لم يتلقوها عن مشكاة النبوة؛ ولكن تلقوها عن زبالة أذهان الرجال وكناسة أفكارهم فأتعبوا قواهم وأفكارهم وأذهانهم في تقرير آراء الرجال والانتصار لهم وفهم ما قالوه، وبثه في المجالس والمحاضر. وأعرضوا عما جاء به الرسول ﷺ صفحًا. ومن به رمق منهم يعيره أدنى التفات طلبًا للفضيلة.