[الفصل الثاني: حاجة تراثنا اللغوي إلى التهذيب والتنقية]
عُني اللغويون والنحاة العرب منذ أواخر القرن الأول الهجري، بدراسة الفصحى، وهي تلك اللغة الأدبية المشتركة بين مختلف القبائل العربية، تلك اللغة التي سجل بها الشعراء خواطرهم، ومظاهر الحياة من حولهم، كما استخدمها الخطباء في محافلهم وأسواقهم الأدبية، ثم توجها القرآن الكريم، فأنزله الله تعالى بأعلى ما تصبوا إليه هذه اللغة من مستوى.
ومنذ ذلك الحين، ارتبطت هذه اللغة بالقرآن الكريم، واجتهد النحاة واللغويون في دراستها، وتحديد معالمها من نواحي الأصوات، والصيغ والأبنية، والدلالة، وتركيب الجملة، ووظيفة الكلمة في داخل هذا التركيب.
وقد نشأت الدراسات اللغوية عند العرب، بين كثير من الدراسات التي قامت لخدمة الدين الإسلامي، ولغرض فهم القرآن الكريم، المصدر الأول للتشريع الإسلامي ودستور المسلمين، فقد أدت الحاجة إلى معرفة معاني الألفاظ الغريبة في القرآن الكريم إلى دراسة الشعر العربي، للاستشهاد به على تلك المعاني، فالسبب في الاشتغال بدراسة هذا الشعر في العصور الإسلامية الأولى، كان -فيما أعتقد- هو الحاجة إلى شرح الكلمات الصعبة من القرآن الكريم، وتفسيرها بالشواهد الشعرية.
ومن المعروف أن القرآن الكريم، أنزل بلغة فصحى، تعلو عن مستوى العامة من العرب، ولذلك أخذ الناس في الصدر الأول من الإسلام، يسألون كبار الصحابة، عن تفسير آياته وغريب ألفاظه. وتحدثنا الروايات الإسلامية بأن الناس كانوا يسألون الصحابي المشهور "عبد الله بن عباس".