[الفصل الثاني: من امتداد اللهجات العربية القديمة في بعض اللهجات المعاصرة]
في ظن كثير من الناس أن اللهجات الحية المعاصرة في البلاد العربية المختلفة، ليست إلا انحطاطا من العربية الفصحى، وليس هذا الظن إلا وليدا لاعتقادهم بأن العربية الفصحى، كانت هي اللغة الوحيدة السائدة في الجزيرة العربية قبل الإسلام، وأنها فسدت باختلاطها باللغات المجاورة، عقب الفتوحات الإسلامية.
غير أن ذلك الظن، ليس إلا سرابا خداعا، فقد روي لنا الكثير والكثير جدا، عن تعدد اللهجات العربية القديمة، بتعدد القبائل المختلفة، وهذا يتفق مع ما ينادي به بعض المحدثين من علماء اللغة، من أنه يستحيل على أية مجموعة بشرية تشغل مساحة شاسعة من الأرض، أن تحتفظ في لهجات الخطاب بلغة موحدة.
نعم ... فقد كانت الجزيرة العربية قبل الإسلام، تموج بشتى اللهجات المتباينة، التي يخالف بعضها بعضا، في شيء من الصوت، أو البنية، أو الدلالة، أو التركيب ... ولكن اللغويين العرب، لم يصفوا لنا تلك اللهجات العربية القديمة وصفا دقيقا كاملا في كثير من الأحيان، وذلك لانشغالهم في المقام الأول بالعربية الفصحى، تلك اللغة الأدبية المشتركة، بين مجموع القبائل العربية، والتي كانوا يستخدمونها في مواقف الجد من القول، وينظمون بها أشعارهم، ويصبون فيها حكمهم وأمثالهم، ثم شرفها الله تعالى، فأنزل كتابه الكريم، بأعلى ما تصبو إليه هذه اللغة من فصاحة وبلاغة.