ومنذ ذلك الحين، ارتبطت هذه اللغة بالقرآن الكريم، واجتهد النحاة واللغويون في دراستها، وتحديد معالمها، من نواحي الأصوات، والصيغ والأبنية، والدلالة، وتركيب الجملة، ووظيفة الكلمة في داخل هذا التركيب.
ومع أن الهدف الأساسي عند هؤلاء اللغويين، كان هو محاولة رسم معالم اللغة الأدبية، لغة القرآن الكريم والشعر والخطابة، وغير ذلك من الفنون الأدبية، وهي تلك اللغة التي اصطلحنا على تسميتها بالفصحى، فإننا نراهم يروون لنا في بعض الأحيان، مقتطفات مبتورة، عن تلك اللهجات العربية القديمة، معزوة إلى أصحابها حينا، وغير معزوة حينا آخر، ومختلطة بالفصحى كذلك في بعض الأحيان.
وتمتلئ المصادر العربية القديمة، بالحديث عن كثير من خصائص هذه اللهجات القديمة، كفحفحة هذيل، وعنعنة تميم، وتلتلة بهراء، وكشكشة ربيعة، وكسكسة هوزان، وقطعة طيئ، وعجعجة قضاعة، وغير ذلك من الظواهر اللهجية، الملقبة بألقاب مختلفة عند اللغويين العرب، كما حدثونا عن شيء كثير من الظواهر، التي لم يلقبوها لهذه القبيلة أو تلك.
وإن من يتأمل هذا الذي روي لنا عن اللهجات القديمة، في بطون المصادر العربية، يخرج بنتيجة صريحة واضحة، وهي أن ما نراه الآن في بعض لهجاتنا الحية المعاصرة، ليس في بعض ظواهره، إلا امتدادا لهذا الذي روي لنا في القديم.