وهكذا نرى ابن جنى، لا يريد أن يعترف بوجود الأصل القديم لهذه الظاهرة في الواقع اللغوي، غير أنه حين عثر على مثال من "الركام اللغوي" وهو قوله تعالى: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} اضطر إلى الاعتراف به.
ومن أمثلة "الركام اللغوي" كذلك، ما نعرفه من إلحاق الفعل علامة تثنية أو جمع في بعض ما روي لنا من أمثلة في العربية، فمن المعروف في العربية الفصحى، أن الفعل يجب إفراده دائما، حتى وإن كان فاعله مثنى أو مجموعا، أي أنه لا تتصل به علامة تثنية ولا علامة جمع، للدلالة على تثنية الفاعل أو جمعه، فيقال مثلا:"قام الرجل" و"وقام الرجلان" و"قام الرجال"، بإفراد الفعل:"قام" دائما، إذ لا يقال في الفصحى مثلا:"قاما الرجلان" ولا "قاموا الرجال".
وعلى هذا النحو، جاءت جمهرة الجمل الفعلية في القرآن الكريم، يقول الله تعالى مثلا:{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ}[آل عمران: ١٤٦] ولم يقل: قاتلوا معه. كما قال جل شأنه:{إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا}[آل عمران: ١٢٢] ولم يقل: همتا طائفتان.
تلك هي القاعدة المطردة في العربية الفصحى شعرا ونثرا. غير أنه قد وردت في كتاب الله تعالى بعض آيات، لحق الفعل فيها علامة جمع للفاعل المجموع، كقوله تعالى:{ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ}[المائدة: ٧١] ، وقوله عز وجل:{وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}[الأنبياء: ٣] .