للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد تقدم التنبيه على هذه الدعاوى الثلاثة: وسيأتي الكلام على دعواهم الرابعة التي هي أمثل من غيرها وهي دعواهم أن برهانهم يفيد العلم التصديقي. وإن قالوا إن العلم التصديقي والتصوري أيضًا لا ينال بدونه. فهم ادعوا أن طرق العلم على عقلاء بني آدم مسدودة، إلا من الطريقتين اللتين ذكروهما من الحد وما ذكروه من القياس. وادعوا أن ما ذكروه من الطريقتين توصلان إلى العلوم التي ينالها بنو آدم بعقولهم. بمعنى أن ما يوصل، لابد وأن يكون على الطريق الذي ذكروه آلة قانونية بها توزن الطرق العلمية، ويميز بها الطريق الفاسد. فمراعاة هذا القانون تعصم الذهن أن يزل في الفكر الذي ينال به تصور أو تصديق.

هذا ملخص ما قالوه: وكل هذه الدعاوى كذب في النفي والإثبات، فلا ما نفوه من طرق غيرهم كلها باطلة، ولا ما أثبتوه من طرقهم كلها حق على الوجه الذي أدعوا فيه وإن كان في طرقهم ما هو حق. كما أن في طرق غيرهم ما هو باطل فما من أحد منهم ولا من غيرهم يصنف كلامًا إلا ولابد أن يتضمن ما هو حق فمع اليهود والنصارى من الحق بالنسبة إلى مجموع ما معهم أكثر مما مع هؤلاء من الحق، بل ومع المشركين عباد الأصنام من العرب ونحوهم من الحق أكثر مما مع هؤلاء بالنسبة إلى ما معهم في مجموع فلسفتهم النظرية والعلمية للأخلاق والمنازل والمدائن. ولهذا كان اليونان مشركين كفارًا يعبدون الكواكب والأصنام، شرًا من اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل بكثير، ولولا أن الله من عليهم بدخول دين المسيح إليهم فحصل لهم من

<<  <   >  >>