للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الوقفة الثانية: أنَّ الله جل وعلا أخبر أنَّ ما يصيب عباده من محن وفتن وكوارث ومصائب، فما ذلك إلا بما كسبت أيديهم، قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشُّورَى: ٣٠] وقال في آية أخرى يغفل الكثير منا عن تدبرها والتأمل فيها: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الرُّومِ: ٤١] واللام في «ليذيقهم»: للتعليل؛ أي ليذيق سبحانه وتعالى الناسَ نتائج بعض أعمالهم من طرحهم للأديان، وعصيانهم للدّيان، ونسيانهم يوم الحساب. أذاقهم سبحانه ويذيقهم كي يرجعوا عن غيهم وفسقهم، ويعودوا إلى طاعة ربهم. وَقَدْ دَلَّتِ السُّنَّةُ المطهرة أَنَّ الْفَوَاحِشَ وَالْبَغْيَ سَبَبَانِ لِلْوَبَاءِ ونزول العذاب، قال صلوات الله عليه: «لم تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ في قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا (١)» (ابن ماجة). وَقَالَ حبر الأمة عبد الله بنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: "مَا ظَهَرَ الْبَغْيُ فِي قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا ظَهَرَ فِيهِمُ المُوتَانُ (٢) (التمهيد)

والمُوتَانُ هُوَ الوباء الذي يعم الناس فيهلكهم.


(١) الحديث أخرجه ابن ماجة في سننه ٢/ ٣٣٣ برقم: ٤٠١٩ كتاب (الفتن) باب العقوبات، وفي الزوائد هذا حديث صالح للعمل به. وقد اختلفوا في ابن أَبى مالك وأبيه. والحديث أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء ـ ٨/ ٣٣٣ ترجمة (يزيد بن عبد الملك) رقم: ٤٢٩، وأخرجه الحاكم في المستدرك، ٤/ ٥٤٠ كتاب (الفتن والملاحم) باب ذكر خمس بلاء أعاذ النبى منها للمسلمين. وقال: هذا حديث: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
(٢) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ٢٣/ ٤٣١. لابن عبد البر ..

<<  <   >  >>