قُلْتُ: كل منهما هنا محتمل، فالاسم ينفي أن يكون معه إله آخر سبحانه وتعالي، والوصف ينفي أن يكون متعددًا في ذاته ويجوز أن يراد المعنيان جميعًا.
قال الإِمام فخر الدين رحمه اللَّه: الحق سبحانه وتعالى واحد باعتبارين:
أَحَدُهُمَا: أنه ليست ذاته مركبة من اجتماع أمور كثيرة.
وَالثَّانِي: أنه ليس في الوجود ما يشاركه في كونه واجب الوجود وكونه مبدأ لجميع الكائنات، ثم قرر البرهان على كونه سبحانه واحدًا بالاعتبار الأول بأنه سبحانه لو كان مركبًا لافتقر تحققه إلى تحقق كل واحد من أجزائه وكل واحد من أجزائه غيره فكل مركب فهو مفتقر إلى غيره وكل مفتقر إلى غيره ممكن لذاته واجب لغيره فكل مركب فهو ممكن لذاته، واللَّه سبحانه واجب الوجود لذاته فليس ممكنًا فثبت أنه ليس مركبًا.
قُلْتُ: ومن وجه آخر يخص النصارى في قولهم: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}(١) لأنهم إما أن يقولوا بالحلول أو بالاتحاد؛ والحلول باطل؛ لأنه لا يعقل إلا إذا كان الحال مفتقرًا إلى المحل؛ فإن كان حلوله سبحانه في المسيح على وجه الجواز لم يكن الحال مفتقرًا إلى المحل فيستحيل الحلول، وإن كان على وجه الوجوب لزم افتقار الواجب إلى غيره ضرورة افتقار الحال إلى المحل ولزم من ذلك حدوث الرب سبحانه وتعالى أو قدم المحل، وكل من ذلك مستحيل، فالحلول باطل والاتحاد أَيضًا باطل؛ لأن المتحدين إما أن يبقيا عند الاتحاد أو ينعدما ويحصل ثالث أو يبقى أحدهما دون الآخر وعلى القسمين الأولين تنتفي صورة الاتحاد، وكذلك أَيضًا في القسم الثالث لاستحالة كون المعدوم عين الموجود.
وأما كونه سبحانه وتعالي واحدًا بالاعتبار الثاني، وهو أنه ليس في الوجود ما يشاركه في كونه إلهًا واجب الوجود وكونه مبدأ لجميع الكائنات فقال أصحابنا: إنه سبحانه وتعالى واحد في ذاته لا قسيم له وواحد في صفاته لا شبيه له وواحد في أفعاله لا شريك له.