أما الأول فلأن تلك الذات المخصوصة التي هي المشار إليها بقولنا: هو الحق سبحانه إما أن تكون حاصلة في شخص آخر سواه أولا تكون كذلك، فإن كان الأول كان امتياز ذاته المعينة عن المعين الآخر لا بد وأن يكون بقيد زائد فيكون مركبًا في نفسه مما به الاشتراك وما به الامتياز، وكل مركب فهو مفتقر كما تقدم، وكل مفتقر ممكن لذاته وذلك محال في حقه سبحانه وتعالى، وإن لم يكن ذلك فقد ثبت أنه سبحانه في ذاته لا قسيم له، وأيضًا لو وجد إلهان لكان كل منهما قادرًا على كل المقدورات؛ لأن هذه من خواص الإلهية فهذا قصد كل واحد منهما إلى إيجاد شيء امتنع وقوعه بهما؛ لأن الأثر مع المؤثر التام واجب الوقوع ووجوب وقوعه بذلك يمنع أن يكون مستندًا في وقوعه إلى غير ذلك المؤثر، فلو استند إليهما لانقطع عنهما ولم يقع بواحد منهما ويمتنع أن لا يقع بواحد منهما؛ لأن المانع من وقوعه بأحدهما وقوعه بالآخر فلو لم يقع بهما لوقع بهما ويمتنع وقوعه بأحدهما دون الآخر؛ لأنه لا يكون الآخر قادرًا على كل المقدورات، وإذا بطلت كل هذه الأقسام لزم أن لا يكون الإله إلا واحدًا سبحانه وتعالى.
وأما كونه تعالى واحدًا في صفاته لا شبيه له؛ فلأن صفاته سبحانه أزلية قديمة وصفات غيره حادثة متغيرة، وأيضًا فلأن صفاته سبحانه غير متناهية بحسب التعلقات فإن علمه متعلق بجميع المعلومات وقدرته متعلقة بجميع المقدورات بخلاف صفات غيره.
وأما كونه سبحانه وتعالى واحدًا في أفعاله فظاهر؛ لأن الموجود إما واجب أو ممكن، وبرهان الحصر ما تقدم، فالواجب هو اللَّه سبحانه وتعالى والممكن ما عداه وكل ما كان ممكنًا فإنه لا يوجد ما لم يستند إلى الواجب في إيجاده؛ لأن ماهيته قابلة للوجود والعدم فيمتنع حصول أحدهما إلا بمرجح وذلك المرجح هو اللَّه سبحانه الموجد القادر ولا يختلف هذا الحكم باختلاف أقسام الممكنات سواء كان مالكًا أو مملوكًا أو فعلًا للعباد؛ لأن كل ما عداه سبحانه وتعالى فهو ملكه وتحت قدرته وتصرفه واستيلائه وليس له فيه شريك ولا معين سبحانه وتعالى.
فهذه نبذة مختصرة في تقرير وحدانيته سبحانه وتعالى وبطلان قول فرق النصارى، وبسط ذلك لا يحتمله هذا الموضع، واللَّه سبحانه الموفق بكرمه.