والْوَجْهُ الثَّانِي: أن هذا الذي يظنونه شكًّا أنا أولى به؛ فإنه ليس بشك ولكنه طلب لمزيد اليقين، وهذا على أحد التأويلات المذكورة في قول إبراهيم -عليه السلام-: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}(١).
قالوا: فسأل زيادة اليقين وقوة الطمانينة كان لم يكن في الأول شك؛ إذ العلوم النظرية والضرورية قد تتفاضل في قوتها فأراد الانتقال من النظر إلى المشاهدة والترقي من علم اليقين إلى عين اليقين فليس الخبر كالمعاينة، قال سهل بن عبد اللَّه التستري -رحمه اللَّه-: سأل كشف غطاء العيان ليزداد بنور اليقين تمكنًا في حاله.
مِنْهَا وَهُوَ أَظْهَرُهَا: أنه -عليه السلام- أراد الطمانينة بعلم كيفية الإحياء مشاهدة بعد العلم بها استدلالًا، فإن علم الاستدلال قد تتطرق إليه الشكوك بخلاف علم المعاينة فإنه ضروري ويكون معنى قوله تعالى:{أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} استفهام الإيجاب كقول جرير:
*ألستم خير من ركب المطايا*
يعني: أنتم كذلك.
وَمِنْهَا: ما روي عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- وسعيد بن جبير والسدي أن ملك الموت -عليه السلام- استأذن ربه أن يأتي إبراهيم -عليه السلام- فيبشره بأن اللَّه اتخذه خليلًا فأتاه وبشره بذلك فحمد اللَّه وقال: ما علامة ذلك؟
قال: أنه يجيب دعاءك ويحيي الموتى بسؤالك، فقال إبراهيم عليه الصلاة والسلام بعد ذلك: رب أرني كيف تحيي الموتى، وأراد بذلك زيادة الطمانينة في أنه هو الخليل.
ويكون معنى قوله تعالى:{أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} أي: ألم تصدق بعظم منزلتك عندي واصطفائك وخلتك.
وفيه أيضًا وجوه أخر غير ذلك، واللَّه سبحانه أعلم.
أخبرنا محمد بن أبى الهيجاء بقراءتي عليه، أنا الحسن بن محمد بن محمد بن