واستخرج من كنوزه وذخائره ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، وكان الحائل بينه وبين ذلك, النفس والشيطان، والنفس منفعلة للشيطان سامعة منه فإذا بعد عنها وطرد لمَّ بها الملك وثبتها وذكرها بما فيه سعادتها ونجاتها.
[القراءة]
فإذا أخذ في قراءة القرآن فقد قام في مقام مخاطبة ربه ومناجاته، فليحذر كل الحذر من التعرض لمقته وسخطه أن يناجيه ويخاطبه وهو معرض عنه ملتفت إلى غيره، فإنه يستدعي بذلك مقته ويكون بمنزلة رجل قربه ملك من ملوك الدنيا فأقامه بين يديه، فجعل يخاطبه الملك وقد ولاه قفاه أو التفت عنه بوجهه يمنة ويسرة، فما الظن بمقت الملك لهذا، فما الظن بالملك الحق المبين الذي هو رب العالمين وقيوم السماوات والأرض.
وليقف عند كل آية من الفاتحة ينتظر جواب ربه له وكأنه سمعه يقول: حمدني عبدي حين يقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وقف لحظة ينتظر قوله: «أثنى علي عبدي» فإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} انتظر قوله: «مجدني عبدي» فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} انتظر قوله: «هذا بيني وبين عبدي» فإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إلى آخر انتظر قوله: «هؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل»(١).
(١) إشارة إلى حديث أبي هريرة وأوله «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين» وقد أخرجه مسلم كتاب الصلاة باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة (١/ ٢٩٦).