وشرع له أن يعود ساجدًا كما كان ولا يكتفي منه بسجدة واحدة في الركعة كما اكتفى منه بركوع واحد لفضل السجود وشرفه وموقعه من الله حتى أنه أقرب ما يكون إلى عبده وهو ساجد، وهو أدخل في العبودية، وأعرق فيها من غيره؛ ولهذا جعل خاتمة الركعة وما قبله كالمقدمة بين يديه، فمحله من الصلاة محل طواف الزيارة، وما قبله من التعريف وتوابعه مقدمات بين يديه وكما أنه أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فكذلك أقرب ما يكون منه في المناسك وهو طائف.
ولهذا قال بعض الصحابة لمن كلمه في طوافه بأمر من الدنيا:"أتقول هذا ونحن نتراءى لله في طوافنا"(١).
ولهذا والله أعلم جعل الركوع قبل السجود تدريجًا وانتقالا من الشيء إلى ما هو أعلى منه.
[جلوس التشهد]
فلما قضى صلاته وأكملها ولم يبق إلا الانصراف منها شرع الجلوس بين يدي ربه مثنيًا عليه بأفضل التحيات التي لا تصلح إلا له ولا تليق بغيره.
(١) قائل هذا القول عبد الله بن عمر الطبقات الكبرى لابن سعد (٤/ ١٦٧).