ومثال كونهما بمعني من وإلي معاً: ما رأيتُه منذُ أربعةِ أيام، ولا تكون بمعني مِن وإلي /إلا إذا كان الزمان نكرة، فيدخلان علي الزمان الذي وقع فيه ابتداء الفعل وانتهاؤه، كمِن في نحو قولك: أخذتُه مِن ذلك المكان. [٣: ١٨٣/أ]
وقال أصحابنا: اسم الزمان الواقع بعد منذ أو مذ إن كان مرفوعاً معدوداً فهما للغاية، أو غير معدود فهما لابتدائهما، وإن كان مخفوضاً فكذلك، إلا إن كان المخفوض حالاً، فإنَّ ما بعدهما يكون إذ ذلك غاية، ويكون معناهما كمعني مِن.
وقالوا أيضاً: إن دخلا علي الحال فلا يكون إلا مخفوضاً، والحال هو اليوم والليلة والحين والساعة والآن وما أضفته إلي نفسك مثل يومنا؛ وما أشرت إليه من أسماء الزمان، ومعناهما إذ ذاك الغاية. وإن دخلتا علي الماضي فمذ يرتفع الاسم بعدها، وحكي الخفض قليلاً، ومنذ ينجرِّ الاسم بعدها، والرفع قليل.
والظاهر من كلام المصنف أنّ الجر بهما قليل لقوله «وقد يَجُرّان حرفين» وأنهما يضافان إلي الجملة، وأنّ ما جاء بعدها مرفوعاً هو علي إضماء الفعل، فلم يخرجا عنده عن إضافتهما إلي الجملة إلا إذا جَرّا، فهما حرفان.
وقال الأخفش: منذ لغة أهل الحجاز، يجرُّون بها كل شيء من المعرفة والنكرة، وبنو تميم وغيرهم يرفع بِمُذْ ما بعدها، فيقولون: لم أر زيداً مذ يومان، أي: بيني وبين لقائه يومان. والحجازيون يقولون في هذا: لم أره مذ يومين، فيجعلونها حرفاً بمنْزلة مِن. وأمَا عامة العرب فيقولون لشيء أنت فيه: لم أره مذ اليومِ، أو منذ العامِ، أو منذ الساعةِ، أو منذ الليلةِ، فيجرُّون. وإنما يختلفون فيما مضي، فيقول بنو تميم: لم أره منذ العامُ الماضي. وروي الكوفيون أنّ مذ يرفع بها الماضي تميم وأسد، ويخفضه بها مُزَينة وغَطَفان وعامِر بن صَعصَعة ومن جاورهم من قيس، وروَوَا عن جميع من ذكرنا الخفض بها في الماشي، فإن أدخلت النون فقلت منذ خفضتْ بها عامِر في الماضي، ورفعتْ بها هَوازن وسُلَيم.