وذهب بعض النحويين إلي أنهما إذا انجرَّ ما بعدهما اسمان. واستدلَّ علي ذلك بأن قال: قد ثَبت لهما الاسمية إذا ارتفع ما بعدهما، فلا نُخرجهما عن الاسمية ما أمكن بقاؤهما عليها، وقد أمكن بأن يُجعلا ظرفين في موضع نصب بالفعل قبلهما.
ورًدَّ هذا المذهب بأنَّ الظرف إذا نُفي عنه الفعل لم يقع الفعل في جزء منه، تقول: ما رأيته يومَ الجمعة، فانتفت الرؤية في جميع اليوم وفي جزء منه، وإذا قلت ما رأيته منذُ يومِ الجمعة أمكن أن تكون رأيته في بعضه، ثم انقطعت الرؤية، أو لم تره. وأيضاً فالظرف إذا نُفي عنه الفعل لم يَنتفِ إلا عنه خاصّة، فإذا قلت ما رأيته يومَ الجمعة انتفت الرؤية عن يوم الجمعة خاصّة، وأمكن أن [تكون] رأيته قبل إخبارك إلي آخر انقضاء يوم الجمعة، ومنذ ليس كذلك، فإذا قلت ما رأيته منذ يومِ الجمعة فالمعني انتفاء الرؤية منذ يوم الجمعة إلي زمان إخبارك. وأيضاً يبطُل هذا المذهب بأنهما موصلان الفعل إلي اسم الزمان المستفهم به واسم العدد دون ضمير عائد عليهما؛ كما تقدم في الاستدلال لمذهب الجمهور.
وقوله بمعني مِن إن صلَح جواباً لـ «متى»، وإلا فبمعني «في» أو بمعني «مِن» و «إلي» معاً مثال ما صلَح جواباً لِمَتَى قولك: ما رأيته مذْ يومِ الجمعة، ومنذُ يومِ الجمعة، مذ ومنذ في هذين لابتداء الغاية في الزمان بمنْزلة مِن في: سِرتُ مِنَ البصرة، وهذا لمعني مِن، ولا تكون مذ ومنذ بمعني مِن إلا كان الزمان ماضياً معرفةً دالّاً علي وقت معلوم.
ومثال كونهما بمعني في قولك: أنت عندنا مُذ الليلةِ، أو ما رأيتُه منذُ الليلةِ، وهذه بمعني في، ولا تكون بمعني في إلا إذا كان الزمان حالاً، وكان معرفة.