فذهب الجمهور إلي أنها لا موضع لها من الإعراب. وذهب أبو سعيد إلي أنها في موضع الحال، كأنه قال: ما رأيتُه متقدماً. وليس هذا بالوجه؛ لأنها خرجت مخرج الجواب، كأنه قيل له: ما أمدُ ذلك؟ فقال: يومان. ومما يبطل كونها حالاً أنّ الجملة إذا وقعت حالاً فلا بدَّ فيها من رابط يعود علي ذي الحال، أو من واو الحال، وهذه الجملة خالية من الضمير ومن واو الحال.
وقوله وقد يَجُرّان الوقتَ أو ما يُستَفهَم به عنه مثال جرَّهما الوقتَ: ما رأيتُه مذْ يوم الجمعة، أو منذُ الجمعة. ومثال جرذَهما ما يُستفهم به عن الوقت: مُذْ متى رأيتَه؟ ومُذْ كَمْ فَقَدتَه؟ واللغة الفصيحة في منذُ الخفض علي كل حال، قال:
وقوله/ حرفين أمّا كونهما حرفين إذا انجرَّ ما بعدهما فهو مذهب الجمهور. [٣: ١٨٢/ب]
واستدلَّ علي ذلك بإيصالهما الفعل إلي كَمْ كما يُوصِل حرفُ الجر، نحو قولك:
منذُ كَمْ سِرتَ؟ كما تقول: بِمَنْ تَمُرُّ؟ ولو كانا منصوبين علي الظرف لجاز أن يَستغني الفعل الواقع بعدهما عن العمل فيهما بإعماله في ضمير عائد عليهما؛ فكنت تقول: منذُ كمْ سِرتَ فيه؟ أو سِرتَه، إن اتَّسَعتَ في الضمير، كما تقول: يومَ الجمعة قمتُ فيه، أو قمته، وامتناع العرب من التكلم بذلك دليل علي أنهما حرفا جر، وكذلك قولهم: منذُ متى سِرتَ؟ وامتناعهم من قولهم منذ متى سِرتَ فيه، أو سِرتَه. وأيضاً فإنَّ مذْ ومنذ يتقدَّران في موضع بـ «في»، وفي موضع بـ «من»؛ إذ هما بمعناهما إذا جَرّا، و «في» و «من» حرف، فكذلك ما بمعناهما.