قد يقال فيهما: عليكَ بي، ورُوَيدَ لي، فُيستغنى فيهما عن نون الوقاية بالباء واللام، بخلاف: ما أَفْقَرَنِي، فإن النون فيه لازمة غير مستغنًى عنها بغيرها» انتهى.
وما ذكروه من لزوم نون الوقاية لفعل التعجب هو على طريقة البصريين، وأمَّا الكوفيون فإنهم يجيزون: ما أَظْرَفِي! يجعلون نون الوقاية جائزة مع ياء المتكلم لا واجبة، وحكَوه سماعًا عن العرب.
واحتجَّ من قال إنه اسم بكونه لا يتصرف، وبتصغيره، وبصحة عينه، فقالوا: ما أُحَيْسِنَه! وما أَطْوَلَه! كما قالوا: هو أَطْوَل من كذا، ولا يصحّ ذلك /في الفعل، وبكونهم تعجَّبوا من الله تعالى، فقالوا: ما أَعْظَمَ الله! ولا يصحّ: شيء أَعْظَمَ الله؛ لأنَّ عظمته لا سبب لها، ولا هي مجعولة.
وأُجيب بأنَّ امتناع تصرفه لأنَّ معنى ذلك غير محتاج إليه؛ لأنه لَزِمَ طريقة واحدة، وما لَزِمَ طريقة واحدة لم يتصرف، كليسَ وعَسى.
وبأنَّ تصغيره وصحة عينه لشبهه بأَفْعَل التفضيل في كون أَفْعَل التفضيل قد يكون للتعجب، ولأنَّ المشترك بنيَّة الزيادة والفضل، ولأنه على لفظه، وأنه يدُّل على المدح، ولذلك قد تسقط منه نون الوقاية.
وقيل: تصغيره ملاحظة لمصدره؛ لأنه لمَّا لم يَجر عليه صار تصغيره بدلاً من جريانه عليه. وقيل: لأنه بدل من التصرف الممنوع له.
قيل: ولا يقال في تصحيح عينه: إنه شذوذ؛ لوجوده في أَفْعَل، قالوا: أّطْوَلتِ، وأَغْيَمَتِ السماُء، ولأنه قد صحَّ في نحو حَوِلَ وعَوِرَ وصَيِدَ.
وأمَّا التعجُّب من الله تعالى فعلى تأويل السبب المُعْلِم بالسبب الموجب، أي: ما أعظمَ قُدرةَ الله، وسيأتي الكلام فيه.