ذكاء ذكاء الحكماء، فهذه مصادر قصد بها حقائق مدلولاتها من غير اعتبار علاج، فجرت مجرى الأسماء التي لا يصح لها عمل، والمصدر العامل إنما عمل بالنيابة مناب الفعل المقدر بحرف مصدري، ولا تكون النيابة إلا مع العلاج، ولذا قالوا: إذا قلت سرني ضرب زيد فيحتمل وجوهاً، منها أن يكون زيد معرفاً للضرب، لا يقصد به دلالة المخاطب على أنه/ ضارب ولا مضروب. [٥: ٦٣/ب]
وقوله ولا يلزم ذكر مرفوعه وذلك بخلاف الفعل، فإنه لابد له من مرفوع، فقد يستغني عن المرفوع وغيره من معمولاته، كقوله تعالى (وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ)، وقد يستغني عنه فقط، ويبقى المعمول، نحو (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ). وخص المرفوع لأن الاستغناء عن غيره جائز مع كل عامل غير ناسخ. وعم بالمرفوع الفاعل والنائب واسم كان وأخواتها.
ويدل قوله "ولا يلزم ذكر مرفوعه" على أنه ليس كالفعل وما أشبهه مما يعمل؛ لأنه لا يستغني عن مرفوع ظاهر أو مضمر، وأنه يجوز أن يذكر مرفوعه، فيرفع الفاعل بالمصدر المنون، وينصب المفعول أو المفعولان أو الثلاثة على حسب تعدي الفعل الذي هذا مصدره، وإن كان لازماً رفع الفاعل، وتعدى إلى غير المفعول به كتعدي فعله، فيجوز أن تقول: عجبت من قيام زيد، ومن ضرب زيد عمراً، ومن إعطاء زيد عمراً درهماً، ومن ظن زيد عمراً قائماً، ومن إعلام زيد عمراً بكراً قائماً. هذا مذهب البصريين.
وأجاز جمهورهم أن ينوى في المصدر أنه منحل لحرف مصدري والفعل الذي لم يسم فاعله؛ فيرتفع ما بعده على أنه مفعول لم يسم فاعله، فأجازوا أن