وحصل من مجموع اللغتين استعمال اللغة العربية للمرتبتين الوسطى والقصوى، إذ قد يكون معنى ما وضعت له طائفة من العرب، ومعنى آخر مقابلة وضعت له طائفة من العرب.
الثالث: أن القرآن العزيز ليس فيه الإشارة إلا بمجرد اللام والكاف معًا أو بمصاحب لهما معًا، أعني غير المثنى والمجموع، فلو كانت الإشارة إلى المتوسط بكاف لا لام معها لكان القرآن العزيز غير جامع لوجوه الإشارة، وهذا مردود بقوله تعالى:(وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ).
قلت: هذا الوجه شبيه بكلام الوعاظ، ولا يلزم كونه لم يرد في القرآن لعدم وجوده في لسان العرب،/ فكم من قاعدة نحوية شهيرة فصيحة لم تأت في القرآن، ولا يدعي أحد أن القرآن أتى على جميع اللغات والقواعد النحوية، ولا انحصر ذلك فيه، هذه "رب" تجر الأسماء، وقد طفح بها لسان العرب نثرًا ونظمًا، حتى إنه قل قصيد لهم يخلو من ذلك، ولم تجئ في القرآن جارة الأسماء.
وأما استدلاله بقوله تعالى (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) فليس المعنى أنه مبين لوجوه الإشارة وجميع المعاني الكلامية، وإنما هذا عام مخصوص، والمعنى: تبيانًا لأصل كل شيء من أصول الديانات وأصول الأحكام التكليفية، وإلا فعدد ركعات الصلوات الخمس لم يبين في القرآن، وكذلك ما تجب فيه الزكاة، وما يجب، ومتى يجب، وعلى من تجب.
الرابع: أن التعبير ب "ذلك" عن مضمون كلام على إثر انقضائه شائع سائغ في القرآن وغيره، ولا واسطة بين النطقين، كقوله تعالى (ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ)، (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ)، (ذَلِكَ تَاوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ