قلت: كون اللفظ الموضوع للبعد يستعمل في القرب لا يدل على أن المشار إليه له مرتبتان؛ إذ قد تقرر أنه قد يعبر بالبعيد عن القريب، وبالعكس، وسيذكر المصنف ذلك بعد هذا، ونتكلم عليه، ولا يدل ذلك الاستعمال على انحصار المشار إليه في مرتبتين.
الخامس: أنه لو كانت مراتب المشار إليه ثلاثًا لم يكتف في التثنية والجمع بلفظين؛ لأن في ذلك رجوعًا عن سبيل الإفراد، وفي اكتفائهم بقولهم هذان وذاك وهؤلاء وأولئك دليل على أن ذاك وذلك مستويان، وأن ليس للإشارة إلا مرتبتان، ولا التفات إلى من قال إن تشديد نون "ذانك" دليل على البعد، وتخفيفها دليل على القرب، لأنه قد سبق الإعلام بأن التشديد عوض مما حذف من الواحد؛ لأنه يستعمل مع التجريد من الكاف كما يستعمل مع التلبس بها. وكذا لا يلتفت إلى قول من زعم أن "أولالك" للبعداء دون "أولئك" لقلة "أولائك" وكثرة الحاجة إلى جمع "ذلك"، ولأنه يلزم منه خلو القرآن من إشارة إلى جماعة بعداء، وذلك باطل بمواضيع كثيرة من القرآن، فثبت ما أردناه، والحمد لله".
قلت: ولا أسلم أنه اكتفى في التثنية والجمع بلفظين. أما التثنية فإنهم قد قالوا في الوسطى: ذانك، وفي البعدى: ذانك بالتشديد، وذانيك بالإبدال، وقالوا في المؤنث: تانك في الوسطى، وفي البعدى: تأنك بالتشديد، وتانيك بالإبدال.
وأما قوله "ولا التفاف إلى من قال إن تشديد نون ذانك دليل على البعد، وتخفيفها دليل على القرب، وذكر/ التعليل، وقد تقدم إبطالنا لهذا التعليل، فلا التفاف لقوله هو.