وتناقضوا، فيبينون تناقض الكرامية، ويظنون أنهم إذا بَيَّنُوا تناقض الكرامية، وهم منازعوهم، فقد فَلَجُوا، ولم يعلموا أن السلف، وأئمة السنة والحديث، بل مَن قبل الكرامية من الطوائف، لم تكن تلتفت إلى الكرامية وأمثالهم، بل تكلموا بذلك قبل أن تُخلق الكرامية، فإن ابن كرام كان متأخرًا بعد أحمد بن حنبل، في زمن مسلم بن الحجاج وطبقته، وأئمة السنة، والمتكلمون تكلموا بهذه قبل هؤلاء، وما زال السلف يقولون بموجب ذلك.
لكن لما ظهرت الجهمية النفاة في أوائل المائة الثانية بَيَّن علماء المسلمين ضلالهم وخطأهم، ثم ظهر رعنة الجهمية في أوائل المائة الثالثة، وامتُحِن العلماء، الإمام أحمد وغيره، فجَرَّدُوا الردَّ على الجهمية، وكشف ضلالهم، حتى جَرَّد الإمام أحمد الآيات التي من القرآن تدل على بطلان قولهم، وهي كثيرةٌ جدّا.
بل الآيات التي تدل على الصفات الاختيارية التي يسمونها حلول الحوادث كثيرةٌ جدّا، وهذا كقوله تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا}[الأعراف: ١١]، فهذا بَيِّنٌ في أنه إنما أمر الملائكة بالسجود بعد خلق آدم، لم يأمرهم في الأزل، وكذلك قوله:{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[آل عمران: ٥٩]، فإنما قال له بعد أن خلقه من تراب، لا في الأزل، وكذلك قوله في قصة موسى - عليه السلام -: {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ في النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا}[النمل: ٨] وقال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ في النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[النمل: ٨]، فهذا بَيّنٌ في أنه إنما ناداه حين جاء، لم يكن النداء في الأزل، كما يقوله الكلابية، يقولون: إن النداء قائم بذات الله في الأزل، وهو لازم لذاته، لم يزل ولا يزال مناديا له، لكنه لما أتى خلق فيه إدراكًا لِمَا كان موجودًا في الأزل.
ثم من قال منهم: إن الكلام معنى واحد، منهم من قال: سمع ذلك المعنى بأذنه، كما يقول الأشعري، ومنهم من يقول: بل أفهم منه ما أفهم، كما يقوله القاضي أبو بكر