وغيره، فقيل لهم: عندكم هو معنى واحد، لا يتبعض، ولا يتعدد، فموسى فَهِمَ المعنى كله أو بعضه؟ إن قلتم: كُلَّه فقد عَلِمَ علم الله كلّه، كان قلتم: بعضه، فقد تبعض، وعندكم لا يتبعض.
ومن قال من أتباع الكلابية بأن النداء وغيره من الكلام القديم حروف، أو حروف وأصوات لازمة لذات الرب، كما تقوله السالمية، ومن وافقهم يقولون: إنه يخلق له إدراكًا لتلك الحروف والأصوات، والقرآن والسنة، وكلام السلف قاطبةً يقتضي أنه إنما ناداه وناجاه حين أتى، لم يكن النداء موجودًا قبل ذلك، فضلًا عن أن يكون قديمًا أزليا.
وقال تعالى:{فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ}[الأعراف: ٢٢]، وهذا يدل على أنه لما أكلا منها ناداهما، لم ينادهما قبل ذلك، وقال تعالى:{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ}[القصص: ٦٥]، {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ}[الأنعام: ٢٢]، فجعل النداء في يوم معين، وذلك اليوم حادث، كائن بعد أن لم يكن، وهو حينئذ يناديهم، لم ينادهم قبل ذلك.
وقال تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ}[المائدة: ١]، فبَيَّن أنه يحكم، فيُحَلِّل ما يريد، ويحرِّمُ ما يريد، ويأمر بما يريد، فجعل التحليل والتحريم والأمر والنهي متعلقًا بإرادته، وينهى بإرادته، ويحلل بإرادته، ويحرم بإرادته، والكلابية يقولون: ليس شيء من ذلك بإرادته، بل قديم لازم لذاته، غير مراد له، ولا مقدور، والمعتزلة مع الجهمية يقولون: كل ذلك مخلوق، منفصل عنه، ليس له كلام قائم به، ولا بإرادته، ولا بغير إرادته، ومثل هذا كثير في القرآن العزيز.
(فصل): وكذلك في الإرادة، والمحبة، كقوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا