للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ما أسررتَ، وأزين ما أظهرت، وأفضل ما ادّخرتَ، أعاننا الله وإياك عليها، وأوجب لنا ولك ثوابها. وكتب رجل منهم إلى أخ له: أوصيك وأنفسنا بالتقوى؛ فإنها خير زاد الآخرة والأولى، واجعلها إلى كل خير سبيلك، ومن كل شر مَهْرَبك، فقد تكفل الله عز وجل لأهلها بالنجاة مما يَحذَرون، والرزقَ من حيث لا يحتسبون. وقال شعبة: كنت إذا أردت الخروج قلت للحكم: ألك حاجة؟ فقال: أوصيك بما أوصى به النبي -صلى الله عليه وسلم- معاذَ ابن جبل: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن". وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول في دعائه: "اللهم إني أسألك الهدي والتقى والعِفّة والغنى". رواه مسلم. وقال أبو ذر -رضي الله عنه-: قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: ٢]، ثم قال: "يا أبا ذر لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم" (١).

وقال -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ -رضي الله عنه-: "اتق الله حيثما كنت" (٢)، يعني في السر والعلانية، حيث يراه الناس وحيث لا يرونه، وفي حديث أبي ذر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: "أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيته" (٣). وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في دعائه: "أسألك خشيتك في الغيب والشهادة" (٤). وخشيةُ الله في الغيب والشهادة هي من المنجيات. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ -رضي الله عنه-: "استح من الله استحياء رجل ذي هيبة من أهلك" (٥).

وهذا هو السبب الموجب لخشية الله في السر، فإن مَن عَلِم أن الله يراه حيث كان، وأنه مُطّلع على باطنه وظاهره وسره وعلانيته، واستحضر ذلك في خلواته أوجب له


(١) راجع "جامع العلوم والحكم" ٢/ ٣٠٩ - ٣١٧.
(٢) رواه الترمذيّ رقم ١٩٨٧ وقال: حديث حسن صحيح.
(٣) رواه أحمد ٥/ ١٨١ من طريق درّاج عن أبي الهيثم، عن أبي ذرّ -رضي الله عنه-، ودرّاج ضعيف في أبي الهيثم.
(٤) حديث صحيح أخرجه أحمد ٤/ ٢٦٤ والنسائيّ ٣/ ٥٤ - ٥٥.
(٥) أخرجه البزار رقم ١٩٧٢ وفي سنده ابن لهيعة متكلّم فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>