ذلك ترك المعاصي في السر، وإلى هذا المعنى الإشارة في القرآن بقوله تعالى:{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[النساء: ١].
كان بعض السلف يقول لأصحابه: زهَّدَنا الله وإياكم في الحرام زُهْدَ مَن قدر عليه في الخلوة، فعَلِم أن الله يراه فتركه من خشيته، أو كما قال. وقال الشافعي رحمه الله: أعز الأشياء ثلاثة: الجود من قلة، والورع في خلوة، وكلمة الحق عند من يُرجَى أو يخاف. وكتب ابن السَّمّاك الواعظ إلى أخ له: أما بعدُ أوصيك بتقوى الله الذي هو نجيك في سريرتك، ورقيبك في علانيتك، فاجعل الله مِنْ بالِك على كل حال، في ليلك ونهارك، وخَفْ الله بقدر قربه منك، وقدرته عليك، واعلم أنك بعينه، ليست تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره، ولا من ملكه إلى ملك غيره، فليعظُم منه حذرك، وليكْثُر منه وَجَلُك، والسلام.
قال أبو الجلد: أوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء قل لقومك: ما بالكم تسترون الذنوب من خلقي، وتظهرونها لي، إن كنتم ترون أني لا أراكم فأنتم مشركون بي، وإن كنتم ترون أني أراكم، فلم تجعلوني أهون الناظرين إليكم. وكان وهب بن الورد يقول: خَفِ الله على قدر قدرته عليك، واستحي منه على قدر قربه منك. وقال له رجل: عِظْني، فقال له: اتق الله أن يكون أهون الناظرين إليك. وكان بعض السلف يقول: أتراك تَرْحَم من لم تُقِرَّ عينيه بمعصيتك، حتى علم أن لا عين تراه غيرك. وقال بعضهم: ابنَ آدم إن كنت حيث ركبت المعصية لم تَصْفُ لك من عَيْنٍ ناظرة إليك، فَلَمّا خلوت بالله وحده صَفَتْ لك معصيته، ولم تستحي منه حياءك من بعض خلقه، ما أنت إلا أحد رجلين، إن كنت ظننت أنه لا يراك فقد كفرت، وإن كنت علمت أنه يراك فلم يمنعك منه ما منعك من أضعف خلقه، لقد اجترأت.
دخل بعضهم غَيضَة ذات شجر، فقال: لو خلوت ها هنا بمعصيةٍ مَن كان يراني، فسمع هاتفا بصوت ملأ الغيضة:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الملك: ١٤].
راود بعضهم أعرابية، وقال لها: ما يرانا إلا الكواكب، قالت: أين مُكَوْكِبُها؟.