للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وإن شرّا فشرّ" (١)، رُوي هذا مرفوعا، ورُوي عن ابن مسعود من قوله. وقال أبو الدرداء: لِيَتّق أحدكم أن تلعنه قلوب المؤمنين، وهو لا يشعر، يخلو بمعاصي الله فيُلقِي الله له البغض في قلوب المؤمنين. وقال سليمان التيمي: إن الرجل ليصيب الذنب في السر، فيصبح وعليه مذلته. وقال غيره: إن العبد ليُذنب الذنب فيما بينه وبين الله، ثم يجيء إلى إخوانه، فيرون أثر ذلك عليه، وهذا من أعظم الأدلة على وجود الإله الحق المجازي بِذَرّات الأعمال في الدنيا قبل الآخرة، ولا يَضِيع عنده عَمَلُ عاملٍ، ولا ينفع من قدرته حجاب ولا استتار، فالسعيد مَن أصلح ما بينه وبين الله، فإنه مَنْ أصلح ما بينه وبين الله، أصلح الله ما بينه وبين الخلق، ومَن التمس محامد الناس بسخط الله عاد حامِدُه من الناس ذامّا له.

قال أبو سليمان: إن الخاسرَ مَن أبدى للناس صالح عمله، وبارز بالقبيح من هو أقرب إليه من حبل الوريد.

ومن أعجب ما رُوي في هذا ما رُوي عن أبي جعفر السائح قال: كان حبيب أبو محمد تاجرًا يكري الدراهم، فَمَرّ ذات يوم بصبيان، فإذا هم يلعبون، فقال بعضهم لبعض: قد جاء آكل الربا، فَنكّس رأسه، وقال: يا رب أفشيت سري، فرجع فجمع ماله كله، وقال: يا رب إني أسيرٌ، وإني قد اشتريت نفسي منك بهذا المال فأعتقني، فلما أصبح تصدق بالمال كله، وأخذ في العبادة، ثم مَرّ ذات يوم، فلما رأوه قال بعضهم لبعض: اسكتوا فقد جاء حبيب العابد، فبكى، وقال: يا رب أنت تَذُمّ مَرّة، وتَحْمَدُ مَرّة، وكله من عندك.

وبالجملة فما جاء عن السلف في هذا الباب كثير، وهذا غيضٌ فيض، وفيه


(١) أخرجه أحمد ٣/ ٢٨ وأبو يعلى في "مسنده" ٢/ ٥٢١. قال الهيثمي في "المجمع" ١٠/ ٢٢٨: رواه أحمد وأبو يعلى، وإسناده حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>