الكفاية لمن وفّقه الله تعالى وهدهُ، اللهم اجعلنا من أوليائك المتّقين سرّا وعلانيةً، {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (٦٣) لَهُمُ الْبُشْرَى في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس:٦٣، ٦٤] بمنك وكرمك وجودك، إنك أكرم الأكرمين، وأجود المسؤولين، آمين آمين آمين. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة العاشرة): قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ".
هذا إخبار منه -صلى الله عليه وسلم- بما يقع في أمته بعده من كثرة الاختلاف في أصول الدين وفروعه، وفي الأعمال والأقوال والاعتقادات، وهذا موافق لما رُوي عنه من افتراق أمته على بضع وسبعين فرقة، وأنها كلها في النار، إلا فرقة واحدة، وهي ما كان عليه هو وأصحابه.
وكذلك في هذا الحديث أمر عند الافتراق والاختلاف بالتمسك بسنته، وسنة الخلفاء الراشدين من بعده.
والسنة هي الطريق المسلوك، فيَشمَل ذلك التمسك بما كان عليه هو وخلفاؤه الراشدون، من الاعتقادات والأعمال والأقوال، وهذه هي السنة الكاملة، ولهذا كان السلف قديمًا لا يطلقون اسم السنة إلا على ما يشمل ذلك كله، ورُوي معنى ذلك عن الحسن، والأوزاعي، والفضيل بن عياض.
وكثيرٌ من العلماء المتأخرين يَخُصّ اسم السنة بما يتعلق بالاعتقاد، لأنها أصل الدين، والمخالف فيها على خطر عظيم.
وفي ذكر هذا الكلام بعد الأمر بالسمع والطاعة لأولي الأمر إشارةٌ إلى أنه لا طاعة لأولي الأمر إلا في طاعة الله، كما صح عنه -رضي الله عنه- أنه قال:"إنما الطاعة في المعروف"، متّفقٌ عليه. وفي "المسند" عن أنس أن معاذ بن جبل رضي الله عنهما قال: "يا رسول الله