نوح فقد قالوا: ﴿وَلَوْ شَاء اللَّهُ لأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِين (٢٤)﴾ [المؤمنون]، وعاد وثمود: ﴿قَالُوا لَوْ شَاء رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُون (١٤)﴾ [فصلت]، ومعنى هذا أنهم يقرون بتوحيد الربوبية، وهو أن الله تعالى هو خالق السماوات والأرض ومن فيهن، وهو رازق العباد، وهو الذي يُدبر الأمر، ولم يدخلهم ذلك في الإسلام، ولم يكونوا بهذا مقرين بأنه «لا إله إلا الله» بل لما بُعث إليهم الرسول ﷺ ودعاهم إلى أن يقولوا: «لا إله إلا الله» امتنعوا؛ لأنهم يعرفون أن «لا إله إلا الله» تتضمن الكفر بكل معبود سوى الله، فهي تتضمن إبطال آلهتهم.
وليس معنى «لا إله إلا الله»: لا خالق إلا الله، ولكنها تتضمن هذا المعنى، ولو كان معنى «لا إله إلا الله» لا خالق إلا الله، لاستجاب المشركون وقالوا: نقرّ بأنه لا خالق إلا الله، ولكنهم يعرفون أن معنى الإله في لغتهم هو المعبود، فيكون معنى «لا إله إلا الله» لا معبود بحق إلا الله، وأن كل معبود سوى الله فهو معبود بالباطل، فلما كانوا يفهمون معنى الكلام؛ عرفوا أنهم لو قالوا هذه الكلمة وأقروا بها كفروا بآلهتهم؛ لهذا قالوا: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَاب (٥)﴾ [ص]، وبهذا يُعلم أنه لا يكون الإنسان موحدًا بمجرد هذا الإقرار، وليس هذا المعنى هو المقصود من «لا إله إلا الله»، كما يفهمه كثيرٌ من الناس في العصور المتأخرة، فإنهم صاروا لا يفهمون من «لا إله إلا الله» إلا توحيد الربوبية، ويقولون: معنى «لا إله إلا الله» لا خالق ولا مدبر إلا الله، وأن المقصود منها الإقرار بأن الله تعالى هو النافع الضار.