كلامُ أحمدَ فإنَّ الخطيبَ رَوَاهُ في " الكفاية " بإسنادِهِ إِلَى أبي داودَ قَالَ: سمعتُ أحمدَ قيلَ لَهُ: إنَّ رجلاً قَالَ عروةَ: أنَّ عائشةَ قالت: يا رسولَ اللهِ، وعن عروةَ عن عائشةَ سواءٌ؟ قال: كيفَ هذا سواءٌ، ليس هذا بسواءٍ. فإنَّما فرّقَ أحمدُ بين اللفظينِ؛ لأنَّ عروةَ في اللفظِ الأولِ لم يُسنِدْ ذلك إلى عائشةَ، ولا أدرك القِصَّةَ فكانتْ مرسلةً. وأمَّا اللفظُ الثاني فأسْنَدَ ذلك إليها بالعنعنةِ، فكانت متصلةً.
ما تقدّم ذكرُهُ من أَنَّ ((عَنْ)) محمولةٌ على السماعِ، هو في الزَّمَنِ المتقدّمِ. وأمّا في هذه الأزمانِ، فقال: ابنُ الصلاحِ: كَثُرَ في عَصرنا وما قاربَهُ بين المنتسبينَ إلى الحديثِ استعمالُ ((عَنْ)) في الإجازةِ فإذا قال أحدُهُم: قرأتُ على فلانٍ، عن فلانٍ، أو نحو ذلك. فَظُنَّ بهِ أنَّهُ رواهُ عنهُ بالإجازة قال: ولا يُخْرِجُه ذلك من قَبيلِ الاتصالِ على ما لا يخفى. وهذا معنى قولي:(وهو بوصلٍ ما قَمَنْ) ، أي: بنوعٍ من الوصلِ؛ لأنَّ الإجازةَ لها حكمُ الاتصالِ لا القطعِ. وقَمَنْ: بفتحِ الميمِ لمناسبةِ ما قبَلَهُ، وفي الميمِ لغتان: الفتحُ، والكسرُ. ومَعناهُ حَقِيقٌ بذلك وجَدِيرٌ به.