والآمديِّ؛ لأنَّ مع الجارحِ زيَادةَ علمٍ، لم يطّلعْ عليها المعدِّل؛ ولأنَّ الجارحَ مصدّقٌ للمعدِّل فيما أخبرَ به عن ظاهرِ حالِهِ، إلا أنّهُ يخبرُ عن أمرٍ باطنٍ خَفِي عن المعدِّلِ.
والقولُ الثاني: أنّهُ إنْ كانَ عددُ المعدّلينَ أكثرَ قُدِّمَ التعديلُ. حكاه الخطيبُ في " الكفايةِ "، وصاحبُ " المحصولِ "؛ وذلك لأنَّ كثرةَ المعدّلين تقوِّي حالَهُم، وتوجبُ العملَ بخبرِهم. وقلّةَ الجارحينَ تُضْعِفُ خبرَهُم. قال الخطيبُ: وهذا خطأٌ وبُعْدٌ ممَّنْ توهَّمَهُ؛ لأنَّ المعدِّلين، وإن كثروا ليسُوا يخبرُونَ عن عَدَمِ ما أخبرَ به الجارحُونَ. ولو أخبرُوا بذلكَ لكانتْ شهادةً باطلةً على نفيٍّ.
والقولُ الثالثُ: أنّهُ يتعارضُ الجرحُ والتعديلُ فلا يرجَّحُ أحدُهما، إلاّ بمرجِّحٍ، حكاهُ ابنُ الحاجبِ. وكلامُ الخطيبِ يقتضي نفي هذا القولِ الثالثِ. فإنّهُ قالَ: اتّفقَ أهلُ العلمِ على أنَّ مَنْ جَرَّحَهُ الواحدُ والاثنانِ، وعَدَّلَهُ مثلُ عددِ مَنْ جَرَّحَهُ، فإنَّ الجرحَ به أولى. ففي هذهِ الصورةِ حكايةُ الإجماعِ على تقديمِ الجرحِ، خلافَ ما حكاهُ ابنُ الحاجبِ.
وقولي:(الأكثرَ) ، هو في موضعِ الحالِ، وجاءَ معرّفاً، كما قُرِئَ في الشاذِّ قولُهُ تعالى:{لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُ مِنْهَا الأذَلَّ} . على أنَّ (يَخرجُ) : ثلاثيٌّ قاصرٌ، و (الأذلَّ) : في موضعِ الحالِ.