المقصود به طبيعته العمرانية، وعمقه النظامي، وهو المشار إليه في قوله تعالى:{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}[الحج:٤١]، وليس هذا إلا نتيجة للأول، ومَن عَكَسهما فقد قلب المنهج، ولقد بينَّا في كتاب (البيان الدعوي) من ذلك؛ احتجاجاً واستدلالاً؛ ما يكفي إن شاء الله، فلا داعي للإطالة.
والذي يجمع الأول والثاني؛ ليتم كمال (العمران)، هو:(عمران الاستخلاف)، الذي يشمل كل النشاط البشري، ويستوعب كل أبعاده الكونية، وهو المعبر عنه في القرآن الكريم بقوله تعالى:{هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ}[هود:٦١].
وقوله سبحانه:{يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ}[سورة ص:٢٦]. فقوله تعالى:{فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ}[سورة ص:٢٦] هو جزء من كلي خلافته، وليس هو إياها، وقد سبق لنا في هذه المسألة تدليل وتأصيل، في كتابنا المذكور، لمن شاء التفصيل.