وحده في ذلك، الذي خلقك، ومن هنالك جاء قوله بعد في السورة مباشرة:{إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}[الإنسان:٢]، وعلى هذا الوزان من الاعتراف بهذا الحق، والشكر له أو عدمه، كانت الجنة والنار، وتفرقت أصناف الخلق بينهما أبراراً وكفاراً، كما هو في تتمة الآيات من سورة الإنسان، وغيرها من آي القرآن كثير.
[تبصرة: حق الخالقية إذن هو مفتاح المعرفة بالله]
إن هذا الحق بقدر ما هو متعلق بذمة الإنسان، لربه الذي خلقه، فإنه يستفيد منه معنى عظيماً لوجوده، إن إحساسه بوجوب هذا الحق عليه يخرجه من التيه الوجودي، الذي ضاعت فيه أفكار الكفار من العالمين، أو بعبارة قرآنية: يخرجه {مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}[البقرة:٢٥٧]. وأي ظلام أشد من التصور العبثي للحياة! أو كما قالوا:(إن هي إلا أرحام تدفع وأرض تبلع!) فبأي نفسية يعيش الإنسان هذه الحياة، وهو يرى أنما غايتها إلى العدم المطلق والفناء الرهيب، الذي ما بعده من حياة؟ فأي لذة يجدها في متعها وهو يعتقد أنها إلى زوال قريب؟ ذلك ما يقوده غالباً إلى الشره المتوحش في تناولها، أو إلى العزوف القَلِق ثم الانتحار! ألا ما أشد وحشة الكفر والضلال! فالحمد لله الذي عافانا مما ابتلى به آخرين.
إن معرفة الله من هاهنا تبدأ: الشعور بالفرح به تعالى ربّاً خالقاً، والأنس بجماله عز وجل إلهاً رحيماً؛ فيمتلئ القلب شوقاً