إليه تعالى، ثم تنشط الجوارح للسير إلى بابه الكريم، والعروج إلى رضاه، عبر مدارج السالكين، ومنازل السائرين، فيجد الإنسان الأنس كل الأنس كلما ازداد معرفة بالله جل جلاله.
وإنما مدارج المعرفة به تعالى أن ينطلق المسلم من توحيد الربوبية، الذي ينفتح بابه على العبد أول ما ينفتح من الشعور بحق الخالقية كما قررناه، ذلك أن الرب إنما هو رب من حيث هو مالك للمربوب، ذلك معناه العام في اللغة وفي الشرع، قال ابن منظور:(الرَّبُّ: هو الله عزّ وجل، هو رَبُّ كلِّ شيءٍ: أَي مالكُه، وله الرُّبوبيَّة على جميع الخَلْق، لا شريك له، وهو رَبُّ الأَرْبابِ، ومالِكُ المُلوكِ والأَمْلاكِ. ولا يقال الربُّ في غَير الله، إِلا بالإِضافة (...) ورَبَّهُ يَرُبُّهُ رَبّاً: مَلَكَه) (١).
فرب الدار: مالكها، وربة البيت: سيدته، ورب السيارة: صاحب السيادة عليها. إلا أن (المالكية) الحقة، إنما تقع في الواقع على من يملك أصل الاختراع والإبداع، إنشاءً وتطويراً. ذلك هو المالك الحقيقي للشيء، وذلك هو الله سبحانه وتعالى في ربوبيته للكون والخلق أجمعين. إنه مالك كل شيء خلقاً وإبداعاً، وزيادة ونقصاً، وإحياءً وإماتةً، وبدءاً وإعادةً، وبعثاً ونشوراً. وما كان ذلك كله ليكون لولا أنه هو عز وجل الذي خلق.
ومن هنا كان أول وصف لذاته تعالى، نزل على محمد صلى الله عليه وسلم،