ولم تكن شيئاً مذكوراً .. لا شيء أنت حينئذ، لا ذكر لك. واللاشيء لا اسم له ولا مفهوم ليذكر، لا في الممكنات الشيئية، ولا في المدركات الذهنية.
ألم يكن ممكناً ألا تكون؟ بلى، لأن الله خلقك بإرادته، وبمشيئته تعالى، وكما يشاء للشيء أن يكون فقد يشاء للشيء ألا يكون، فهو سبحانه يتصرف في أمره وكونه كما يشاء ويختار. وما ينقص من كون الله العظيم لو أنك أنت -يا فلان بن فلان- لم تكن فيه؟ طبعاً لا شيء، لا شيء. هذا البشر ممتد نسله، طولاً وعرضاً، يملأ الآفاق الأرضية في كل مكان.
ثم كنتَ يا صاح برحمة الله وفضله، كنت بعد ذلك شيئاً مذكوراً، فتفكر، وتدبر:{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا}[الإنسان:١]، إن هذه الآية العظيمة لهي من أثقل الآي القرآني حملاً على الإنسان! والقرآن العظيم -لو تدبرت- ثقيل كله، قال عز وجل:{لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[الحشر:٢١]، وقال سبحانه:{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا}[المزمل:٥]، وثقل آية الإنسان الذي لم يكن فكان، راجع -فيما هو راجع إليه- إلى ما يترتب على الوعي بهذه الحقيقة من أعباء الحق الإلهي العظيم، حق الخالقية، أليس لم تكن ثم كنت؟ بلى، إذن تعلق بذمتك حق الذي كان له الفضل