النهاية إلى تربة المسجد، إذ يجب أن تعلم أن رباط المسجد هو غاية الوسائل ووسيلة الغايات، وأن المجالس إنما هي سِقاؤه. ولطالما تباهت التنظيمات والحركات بكثرة خلاياها وأعدادها، وليس لها من رباط المسجد نصيب، فلا يمضي من الزمن إلا قليل حتى ترتد تلك الجموع على أدبارها، وتتساقط لقىً مهملاً بين المقاهي والملاهي!
المسجد هو أساس عَدِّكَ وإعدادك، فاغرس برياضه (رُبُطاً)، واجعل منها نسل دعوتك، ثم اجعل جلسة القرآن لها مدرسة، تغذيها وتنميها، وابن على ذلك في منهج التبصير بحقائق هذا الدين؛ بعثاً وتجديداً! فبذلك -وبذلك فقط- تبنى الصفوف، لمن رام الدعوة إلى الله على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم.
السقي والتجذير مصطلحان زراعيان استعرناهما للتمثيل والتقريب، وإنما ذلك ما عبرنا عنه من قبل في كتابنا (التوحيد والوساطة في التربية الدعوية)(١) بـ (الأرقمية) و (المنبرية)؛ فـ (الأرقمية): نسبة إلى مجالس الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، بدار الأرقم بن أبي الأرقم، قبل الهجرة، (والمنبرية): نسبة إلى منهجه صلى الله عليه وسلم الخطابي، الذي عرف من على منبر المدينة، والحقيقة أن المنبرية والأرقمية منهج متكامل، لا يستغني أحدهما عن الآخر؛ فالمنبرية هو ما بدأ به الرسول صلى الله عليه وسلم أول الأمر، لما صعد
(١) انظر التوحيد والوساطة في التربية الدعوية للكاتب، الجزء الأول، نشر وزارة الأوقاف القطرية ضمن سلسلة كتاب الأمة. العدد: (٤٧).